للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل في مجيء «يسألونك» بحرف الواو

وجاء: {وَيَسْأَلُونَكَ} ثلاثَ مرَّاتٍ بحرفِ العطفِ بعد قوله: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر» وهي: «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ» ، «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى» «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض» وجاء «وَيَسْأَلُونَكَ» أربع مراتٍ من غيرِ عطفٍ: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة» «يَسْأَلُونَكَ مَذاَا يُنْفِقُونَ» «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ» «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ» . فما الفرقُ؟

والجوابُ: أَنَّ السُّؤالات الأَواخر وقعَتْ في وقتٍ واحدٍ، فجُمِع بينها بحرفِ الجمعِ، وهو الواوُ، أَمَّا السّؤالاتُ الأُوَلُ فوقعَتْ في أوقاتٍ متفرقةٍ، فلذلك استؤْنِفَتْ كلُّ جملةٍ، وجيء بها وحدها.

وقوله: {هُوَ أَذًى} فيه وجهان:

أحدهما: قاله أبو البقاء: «أَنْ يكُونَ ضمير الوطءِ الممنوع» وكأنه يقول: إِنَّ السِّياق يدلُّ عليه، وإِنْ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ.

الثَّاني: أَنْ يعود على المحيض، قال أبو البقاء: «ويكون التَّقدير: هو سببُ أَذًى» وفيه نظرٌ؛ فإنَّهم فَسَّروا الأَذَى هنا بالشَّيء القَذِر، فإذا أَرَدْنا بالمَحِيضِ نَفْسَ الدَّمِ، كان شيئاً مُسْتَقْذَراً، فلا حاجة إلى تقديرِ حَذْفِ مضافٍ.

فصل في المراد من «الأذى»

قال عطاءٌ، وقتادةٌ، والسُّدِّيُّ: هو أَذًى، أي: قذر واعلم أَنَّ الأَذَى في اللُّغة ما يكره مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، ويحتمل أن يَكُونَ قوله: {هُوَ أَذًى} ، أي: سببُ الأَذَى قالوا: لأَنَّ من جَامَعَ في الحَيْض، قد يحصُلُ له في ذكره وأنثييه تفتيح وقروح.

وقوله: {فاعتزلوا النسآء فِي المحيض} .

الاعتزالُ: التَّنَحِّي عن الشَّيْءِ، وأَرَاد به ها هنا: تَرْكَ الوَطءِ، وقدَّم ذكر العِلَّة، وهي الأذى، ثم رَتَّبَ الحُكْم، وهو وجوب الاعتزال. فإن قيل: المرادُ ب «الأذى» هو الدَّمُ، وهو حاصِلٌ في وقت الاستحاضة مع أن اعتزال المرأة وقت الاستحاضة، غير واجب، فانتقضت هذه العِلَّةُ.

والجواب: أَنَّ دم الحيض دَمٌ فاسِدٌ يتولّد من فضلة تدفعها طبيعة المرأة من عمق الرَّحم، ولو احْتَبَسَتْ تلك الفضلةُ لمرضت المرأةُ، فذلك الدَّمُ جارٍ مجرى البَوْلِ، والغائط، فكان أَذًى وقذراً، وأَمَّا دمُ الاستحاضة، فليس كذلك، بل هو دَمٌ صالحٌ يسير من عروق تنفجر من عمق الرَّحِمِ، فلا يكونُ أذى، قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - لما سئل

<<  <  ج: ص:  >  >>