للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كيفما كانت صفةُ تلك الدِّماء قَصْداً إلى إسقاط العُسْرِ والمَشَقَّةِ.

فصل

اختلف العُلَماءُ في مُدَّةِ الحيضِ، فقال عليُّ بن أبي طالب - رضي الهُ عنه -: أقلُّه يوم ولَيْلَة، وأكثرُهُ خمسة عشر يوماً، وهو قولُ عطاء بن أَبي رباحٍ، والأوزاعيِّ، والشَّافِعِيّ، وأحمد، وإسحاق.

وقال أبو حنيفة، والثَّورِيّ: أقلّه ثلاثة أيَّام ولياليهن، فإِنْ نقص عنه، فهو دمٌ فاسد؛ وأكثره عشرةُ أيَّامِ.

قال أبو بكر الرَّازِيُّ في «أحكام القُرْآن» : وقد كان أبُو حنيفة يقولُ بقول عطاءِ، ثم تركه.

وقال مَالِكٌ: لا تقديرَ له في القِلَّةِ، والكثرة، فإن وُجِدَ ساعةً، فهو حيض، وإن وجد أيّاماً، فكذلك.

واحتجَّ أبُو بكر الرازيُّ في «أَحْكَامِ القُرْآنِ» على فساد قول مالكٍ بأنه: لو كان التَّقْدير ساقطاً في القليل، والكثِير، لوجب أَنْ يكُونَ الحيض هو الدّم الموجود من المرا’ فيلزم ألَاّ يوجد في الدنيا مستحاضة لأن كل ذلك الدم يكون حيضاً على المذهب، وذلك باطِلٌ بالإجماع ولأنه روي أَنّ فاطمة بنت أبي حبيش قالت للنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - «إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ» وروي أَنّ منه ما هو حيضٌ، ومنه ما هو استحاضةٌ، فبطل هذا القول ويمكن الجواب عنه بأن نقُولَ: إِنَّما يتميَّزُ دم الحيض عن دم الاستحاضة بالصِّفات التي قدّمناها لدم الحيضِ، فإذا عدمت؛ حكمنا بدم الحيض، وإِنْ تَرَدَّدْنا فيهما، كان طريانُ الحيض مجهولاً، وبقاء التّكليف الَّذِي هو الأَصلُ معلوم، والمشكوك لا يارض المعلوم، فلا جَرَمَ قلنا ببقاء التَّكاليف، فبهذا الطّريق يميز الحيض عن الاستحاضة وإن لم يجعل للحيض زماناً معيّناً.

واحتجَّ مالكٌ - رضي اللهُ عنه - بوجهين:

الأول: أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بيَّنَ علامة دم الحيض، وصفته كما قدمنا في قوله: «دَمُ الحَيْضِ هُوَ الأَسْوَدُ المُحْتَدمُ» وإذا كان الدَّمُ موصوفاً بهذه الصِّفَةِ، كان الحيضُ حاصِلاً، فيدخلُ تحت قوله: {فاعتزلوا النسآء فِي المحيض} .

<<  <  ج: ص:  >  >>