ذكرت ذلك الخبر، قبله العقل بتشوُّق، فيكون ذلك أبلغ في التَّحقيق، ونفي الشُّبهة.
فإن قيل: هلا قيل: يَتَرَبَّصْن ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وما الفائدة في ذكر الأنفُسِ؟
فالجواب: إن في ذكر الأنفس بعث على التَّربُّص وتهييجُ عليه؛ لأن فيه ما يستنكفن منه، فيحملهنَّ على أن يتربَّصن، وذلك لأنذَ أنفس النِّساء طوامحٌ إلى الرِّجال، فأراد أن يقعن على أنفسهن، ويغلبنها على الطُّموح، ويحرِّضنها على التَّربُّص.
فإن قيل: لم لم يقل: ثلاث قروء؛ كما يقال: ثَلَاث حِيَضٍ؟
والجواب: أنه أتبع تذكير اللَّفظ، ولفظ «قَرْء» مذكَّر.
والقرء في اللغة: أصله الوقت المعتاد تردده، ومنه: قرء النَّجم لوقت طلوعه وأفوله، يقال: «أَقْرَأَ النَّجْمُ» ، أي: طلع أو أفل، ومنه قيل لوقت هبوب الرِّ] ح: قرؤها وقارئها؛ قال الشاعر: [الوافر]
١١٠٥ - شَنِئْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ ... إِذَا هَبَّتْ لِقَارِيهَا الرِّيَاحُ
أي: لوقتها، وقيل: أصله الخروج من طهر إلى حيضٍ، أو عكسه، وقيل: هو من قولهم: قَرَيْتُ المَاءَ في الحَوْضِ؛ أي: جمعته، ومنه: قرأ القرآن. وقولهم: ما قرأت هذه الناقة في بطنها سَلاً قطٌّ، أي لم تجمع فيه جنيناً؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم: [الوافر]
١١٠٦ - ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بَكْرٍ ... هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جِنِينَا
فعلى هذا: إذا أريد به الحيض، فلاجتماع الدَّم في الرَّحم، وإن أريد به الطهر، فلاجتماع الدَّم في البدن، وهذا قول الأصمعي، والفرَّاء، والكسائيّ.
قال شهاب الدِّين: وهو غلطٌ؛ لأنَّ هذا من ذوات الياء، والقرء مهموزٌ.
وإذا تقرَّر ذلك فاختلف العلماء في إطلاقه على الحيض والطهر: هل هو من باب الاشتراك اللفظيِّ، ويكون ذلك من الأضداد أو من الاشتراك المعنويِّ، فيكون من المتواطئ؛ كما إذا أخذنا القدر المشترك: إمَّا الاجتماع، وإمَّا الوقت، وإمَّا الخروج، ونحو ذلك. وقرء المرأة لوقت حيضها وطهرها، ويقال فيهما: أَقْرَأَتِ المَرْأَةُ، أي: حاضت أو طهرت، وقال الأخفش: أَقْرَأَتْ أي: صارت ذات حيضٍ، وقرأت بغير ألفٍ أي: حاضت، وقيل: القرء، الحيض، مع الطهر، وقيل: ما بين الحيضتين. والقائل