للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ورابعها: أن الأصل ألاّ يكون لأحدٍ على أحدٍ من المكلَّفين حقّ الحبس والمنع من التّصرُّفات، وإنما تركنا العمل بهذا عند قيام الدَّليل عليه، وهو أقلُّ ما يسمَّى بالأقراء الثَّلاثة وهي الأطهار؛ لأن الاعتداد بالأطهار أقلّ زماناً من الاعتداد بالحيض، وإذا كان كذلك، أثبتنا الأقلّ ضرورة العمل بهذه الآية، واطرحنا الأكثر؛ للدَّلائل الدَّالَّة على أنَّ الأصل ألَاّ يكون لأحدٍ على غيره حقّ الحبس والمنع.

حجة أبي حنيفة وجوه:

أحدها: أنَّ الأقراء في اللُّغة، وإن كانت مشتركةً بين الأطهار والحيض؛ إلا أن الشَّرع غلَّب استعمالها في الحيض؛ لما روي أن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك» والمراد أيَّام الحَيْضِ.

وثانيها: ما تقدَّم من وروده بمعنى الحيض.

وثالثها: أنا إذا قلنا: بأن الأقراء هي الحيض، أمكن معه استيفاء ثلاثة أقراءٍ بكمالها؛ لأنّا نقول إنّ المطلَّقة يلزمها تربُّص ثلاث حيضٍ، وإنَّما تخرج عن العهدة بزوال الحيضة الثَّالثة، ومن قال: إنَّه الطُّهر يجعلها خارجة من العهدة بقَرْءين وبعض الثَّالث؛ لأن عنده إذا طلَّقها في آخر الطُّهر تعتدُّ بذلك قرءاً، فإذا كان في أحد القولين تكمل حقيقة اللَّفظ بالثَّلاثة.

أجاب الشَّافعي بأنق ال: قال الله تعالى: {الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] والأشهر جمع، وأقلُّه ثلاثة، وقد حملناه على شهرين وبعض الثَّالث، وذلك شوَّال، وذو القعدة، وبعض ذي الحجَّة، هكذا ههنا يجوز أن نحمل هذه الثَّلاثة على طهرين وبعض الثَّالث.

أجاب الجبَّائي عن هذا بوجهين.

الأول: أنَّا تركنا الظَّاهر في هذه الآية بدليل، ولا يلزمنا أن نترك الظَّاهر هنا من غير دليلٍ.

والثاني: أن في العدَّة تربُّصاً متَّصلاً، فلا بدَّ من استعمال الثَّلاثة، ولا كذلك أشهر الحجِّ؛ لأنه ليس فيها فعل متصلٌ، فكأنَّه قيل: هذه الأشهر وقت الحجِّ لا على سبيل الاستغراق، ثم إن الثَّلاثة نصٌّ في إفرادها لا تحتمل التَّنقيص، ولا كذلك قوله: «أَشْهُر» ؛ لأنَّه ليس بنصٍّ في الثلاثة؛ لأن العلماء اختلفوا في أقلِّ الجمع، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>