الثاني: أن التَّسريح بالإحسان: أن يَتْرُكَ مُراجَعَتها حتى تَبين بانقضاءِ العِدَّة، وهو مَروِيٌّ عن الضَّحَّاك والسُّدِّيّ.
قال ابن الخطيب: وهو أَقْرَبُ لوجوه:
أحدها: أن «الفَاء» في قوله: «فَإِنْ طَلَّقَها» تَقْتَضِي وقوع هذه الطَّلقة مُتَأَخِّرة عن ذلك التَّسريح، فلو كان المُرادُ بالتَّسريح هو الطَّلقَة الثَّالثة، لكان قوله: فإن طَلَّقها طَلْقَةً رَابِعَة؛ وهو لا يجُوزُ.
وثانيها: أنَّا إذا حَمَلْنَا التَّسريح على تَرْكِ المُراجعة، كانت الآيةُ مُتَنَاولة لجميع الأَحوالِ؛ لأَنَّه بعد الطَّلْقَة الثَّانية إمَّا أن يُراجعها وهو المراد بقوله:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} أو لا يُراجعها، بل يتركها حتى تنقضي عِدَّتُها وتبين، وهو المرادُ بقوله:{أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أو يُطَلِّقها وهو المراد بقوله «فَإِنْ طَلَّقَها» ، فكانت الآيَةُ مُشْتَمِلَةً على بَيَانِ كُلِّ الأقسام، وإذا جعلنا التَّسريح بالإِحسان طَلَاقاً آخر لزم تركُ أحد الأقسامِ الثَّلاثة، ولزِم التكرير في ذكر الطَّلاقِ، وهو غيرُ جَائِزٍ.
وثالثها: أنَّ ظاهر التَّسرِيح هو الإرسالُ والإِهمالُ، فحمله على تركِ المُراجعة أَوْلَى من حملِهِ على التَّطليق.
ورابعها: أنَّه قال بعد ذلك التَّسريح: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} والمُراد به الخُلع، ومعلومٌ أنه لا يصحُّ الخلعُ بعد التَّطليقة الثَّالثة، فهذه الوجوه ظاهرة، لو لم يثبت الخبر الَّذِي رويناه، فإن صحَّ ذلك الخبر، فلا مزيد عليه.
فصل في الحكمة في الرَّجعة
والحِكْمة في إثبات حقِّ الرَّجعة: أن الإِنسان إذا كان مع صاحبه، لا يدري هل تَشُقُّ عليه مُفارقتُه أَمْ لا؟ فإذا فارقهُ بعد ذلك يظهر، فلو جَعَلَ الله الطَّلقة الواحدة مانِعةٌ من الرُّجوع، لعظمت المَشَقَّة على الإِنسان بتقدير أَنْ تظهر المَحَبَّة بعد المُفارقة مَرَّتين، وعند ذلك تحصل التَّجربة، فإن كان الأَصلحُ الإِمْسَاكَ، راجعها وأَمسكها بالمعروفِ، وإن كان الأَصلح التَّسريح، سرَّحها بإِحسان.
فصل
واختلف العُلَمَاءُ إذا كان أَحد الزَّوْجَينِ رقيقاً: