للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وهذا من بدل الاشتمال؛ كقولك: «الزَّيْدَانِ أَعْجَبَانِي عِلْمُهُمَا» ، وكان الأصلُ: «إِلا أن يخافَ الوُلَاةُ الزوجَيْنِ أَلَاّ يقيمَا حُدُودَ اللهِ» ، فَحُذِفَ الفاعلُ الذي هو «الوُلَاةُ» ؛ للدلالة عليه، وقامَ ضميرُ الزوجين مقامَ الفاعلِ، وبقيتْ «أَنْ» وما بعدها في محلِّ رفعٍ بَدَلاً؛ كما تقدَّم تقديرُه. وقد خرَّجه ابن عطيَّة على أنَّ «خَافَ» يتعدَّى إلى مفعولين ك «اسْتَغْفَرَ» ، يعنيك إلى أحدِهما بنفسِه، وإلى الآخرِ بحرفِ الجَرِّ، وجَعَلَ الألِفَ هي المفعولَ الأولَ قامَتْ مقامَ الفاعلِ، و «أَنْ» وما في حَيِّزها هي الثاني، وجَعَل «أَنْ» في محلِّ جرٍّ عند سيبويه والكِسائيِّ، وقد رَدَّ عليه أبو حيان هذا التخريجَ؛ بأنَّ «خَافَ» لا يتعدَّى لاثنين، ولم يَعُدَّهُ النحويون حين عَدُّوا ما يَتَعَدَّى لاثنين؛ ولأنَّ المنصوبَ الثاني بعده في قولك: «خِفْتُ زَيْداً ضَرْبَهُ» ، إنما هو بدلٌ لا مفعولٌ به، فليس هو كالثاني في «اسْتَغْفَرْتُ اللهَ ذَنْباً» ، وبأن نسبة كَوْنِ «أَنْ» في محلِّ جر عند سيبويه ليس بصحيحٍ، بل مذهبُه أنها في محلِّ نصبٍ، وتبعه الفراء، ومذهبُ الخليل: أنها في محلِّ جَرٍّ، وتبعه الكسائيُّ، وهذا قد تقدَّم غيرَ مرةٍ. وقال غيره كقوله؛ إلَاّ أنَّه قدَّر حرفَ الجرِّ «عَلَى» ، والتقدير: إلَاّ أنْ يَخَافَ الوُلَاةُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى أَلَاّ يُقِيمَا، فَبُنِيَ للمفعولِ، فقام ضميرُ الزوجين مقامَ الفاعلِ، وحُذِفَ حرفُ الجر مِنْ «أَنْ» فجاء فيه الخلافُ المتقدِّمُ بين سيبويه والخليل. وهذا الذي قاله ابنُ عطيةَ سَبَقَه إليه أبو عليٍّ، إلَاّ أنه لم يُنَظِّرْهُ ب «اسْتَغْفَرَ» . وقد استشكل هذه القراءةَ قومٌ وطعَنَ عليها آخَرُونَ، لا عِلمَ لهم بذلك، فقال النحَّاسُ: لا أعْلَمُ في اختيارِ حمزة أبعدَ من هذا الحَرْفِ؛ لأنه لا يُوجِبُهُ الإِعرابُ، ولا اللفظُ، ولا المعنى. أمَّا الإِعرابُ: فلأنَّ ابنَ مسعود قرأ «إِلَاّ أَنْ تَخَافُوا أَلَاّ يُقِيمُوا» ، فهذا إذا رُدَّ في العربيةِ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، كان ينبغي أَنْ يُقال: «إِلَاّ أَنْ يُخَافَ» .

وأمَّا اللفظُ: فإِنْ كان على لفظِ «يُخَافَا» ، وَجَبَ أن يقال: فَإِن خِيفَ، وإن كان على لفظ «خِفْتُمْ» ، وَجَب أن يقال: إِلَاّ أَنْ تَخَافُوا. وأمَّا المعنى: فَأَسْتَبْعِدُ أن يُقَالَ: «وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَاّ أَنْ يَخافَ غَيْرُكُمْ» ، ولم يَقُلْ تعالى: «ولا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا لَهُ منْهَا فدْيَةً» ، فيكون الخُلْعُ إلى السلطان، والفَرْضُ أَنَّ الخُلْعَ لا يحتاجُ إلى السلطانِ. وقد رَدَّ الناسُ على النحَّاس:

<<  <  ج: ص:  >  >>