الواجب من الرزق والكسوة، وهذا أحسن من قول من يقول: أشير به إلى الرزق والكسوة. وأشير بما للواحد للاثنين؛ كقوله:{عَوَانٌ بَيْنَ ذلك}[البقرة: ٦٨] . وإنما كان أحسن؛ لأنه لا يحوج إلى تأويلٍ، وقيل: المشار إليه هو عدم المضارَّة، قاله الشعبيُّ، والزهري، والضحاك، وقيل: منهما وهو قول الجمهور.
وقيل: أجرة المثل.
فصل في المراد ب «الوارث»
في المراد ب «الوارث» أربعة أقوالٍ:
أحدها: قال ابن عباس: المراد وارث الأب؛ لأنَّ قوله:{وَعَلَى الوارث مِثْلُ ذلك} معطوفٌ على قوله: {وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف} وما بينهما اعتراضٌ لبيان المعروف، والمعنى أنَّ المولود له إن مات، فعلى وارثه مثل ما وجب عليه، أي: يقوم وارثه مقامه في رزقها وكسوتها بالمعروف وتجنُّب الإضرار.
قال أبو مسلم الأصبهانيُّ: وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ الولد أيضاً يرثه فيؤدِّي ذلك إلى وجوب نفقته على غيره حال ما له مال ينفق منه، وهذا غير جائزٍ.
قال ابن الخطيب: ويمكن أن يجاب بأنَّ الصبيَّ إذا ورث من أبيه مالاً، فإنَّه يحتاج إلى من يقوم بتعهُّده والنَّفقة عليه بالمعروف، ويدفع الضَّرر عنه، وهذه الأشياء يمكن إيجابها على وارث الأب.
القول الثاني: أنَّ المراد وارث الصبيِّ، فيجب عليه عند موت الأب كل ما كان واجباً على الأب، هذا قول الحسن، وقتادة، وأبي مسلم، والقاضي، ثم اختلفوا في أنه أيُّ وارثٍ هو؟ فقيل: العصبات من الرِّجال، وهو قول عمر بن الخطَّاب، والحسن، ومجاهد، وعطاء، وسفيان، وإبراهيم.
وقيل: هو وارث الصبيِّ من الرِّجال والنساء على قدر مواريثهم منه، وهو قول قتادة وابن أبي ليلى، ومذهب أحمد وإسحاق.
وقيل: المراد من كان ذا رحمٍ محرمٍ دون غيرهم؛ كابن العمِّ والمولى، وهو قول أبي حنيفة.
وظاهر الآية يقتضي أَلَاّ فرق بين وارثٍ ووارثٍ، ولولا أن الأمَّ خرجت من حيث إنَّه أوجب الحقَّ لها، لصحَّ دخولها تحت الكلام؛ لأنَّها قد تكون وارثةً للصبيِّ كغيرها.