الحقيقة؛ لأن مَنْ سمح بحقِّه تقرُّباً إلى ربه، كان أبعد مِنْ أَنْ يظلم غيره.
قوله:{وَلَا تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} قرأ الجمهور بضمِّ الواو مِنْ «تَنْسَوا» ؛ لأنها واوٌ ضمير، وقرأ ابن يعمر بكسرها تشبيهاً بواو «لَوْ» كما ضَمّوا الواو من «لَو» ؛ تشبيهاً بواو الضمير، وقال أبو البقاء في واوِ «تَنْسَوا» من القراءات ووجوهها ما ذكرناه في {اشتروا الضلالة}[البقرة: ١٦] ، وكان قد قَدَّم فيها خمسَ قراءاتٍ، فظاهرُ كلامه عودُها كلِّها إلى هنا، إلَاّ أنه لم يُنْقَل هنا إلا الوجهان اللذان ذَكَرْتُهما.
وقرأ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:«وَلَا تَنَاسَوا» قال ابن عطيَّة: «وهي قراءة متمكِّنةٌ في المعنى؛ لأنه موضعُ تَنَاسٍ، لا نِسْيَانٍ، إلَاّ على التشبيه» ، وقال أبو البقاء:«على باب المفاعلةِ، وهي بمعنى المتاركةِ، لا بمعنى السهو، وهو قريبٌ من قولِ ابن عطيَّة.
قوله تعالى:» بَيْنَكُمْ «فيه وجهان.
أحدهما: أنه منصوبٌ ب» تَنْسَوا «.
والثاني: أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الفضل، أي كائناً بينَكثمْ، والأولُ أَوْلَى؛ لأنَّ النهيَ عن فِعْلٍ يكونُ بينَهم أبلغ من فعلٍ لا يكونُ بينَهُم والمرادُ بالفضلِ، أي: إفضال بعضكم لى بعض بإعطاء الرجل تمامَ الصداقِ، أو تركِ المرأَةِ نصيبها، حثَّهما جميعاً على الإحسان، ثم ختم الآية بما يجري مجرى التهديد، فقال:{إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
قال القرطبي: هذا خبرٌ في ضمنه الوعد للمحسنين، والحِرمانُ لغير المحسنين، أي: لا يخفى عليه عفوكم، واستقضاؤكم.