فالجواب أن هذا لم يروه غير واحدٍ تفرَّد به. وقد روى جماعةٌ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنها صلاة العصر، كما سيأتي، وكثرة الأدلة، والرُّواة يرجّح بها.
القول الخامس: أنها صلاة العصر، وهو مرويٌّ عن عليّ، وابن مسعودٍ، وابن عبَّاسٍ، وأبي هريرة، وأبي أيُّوب، وعائشة، وبه قال إبراهيم النخعي، وقتادة، والحسن، والضحاك، ويروى عن أبي حنيفة.
واحتجوا بوجوه:
الأول: روي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال يوم الخندق:«شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الوُسْطَى صَلَاة العَصْرِ ملأ اللهُ أَجْوَافَهُم وَقُبُورهُم نَاراً» وروى زرُّ بن حبيش، قال: قلنا لعبيدة: سل علياً عن الصلاة الوسطى، فسأله فقال: كنَّا نرى أنها صلاة الفجر، حتى سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول يوم الخندق:«شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الوُسْطَى صَلَاة العَصْرِ ملأ اللهُ أَجْوَافَهُم وَقُبُورهُم نَاراً» وعن عبد الله بن مسعودٍ، قال: حَبَسَ المشركون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن صَلاة العصر، حتَّى احمرَّت الشمس، أو اصفرَّت؛ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الوُسْطَى صَلَاة العَصْرِ ملأ اللهُ أَجْوَافَهُم وَقُبُورهُم نَاراً، أو حَشَا اللهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً» .
الثاني: أنَّ العصر أولى بالتأكيد من غيرها؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى صَلَاةِ العَصْرِ فَقَدْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» ، وقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى صَلَاةِ العَصْرِ أو مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُهُ» وقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «مَنْ حَافَظَ عَلَى صَلَاةِ العَصْرِ آتَاهُ اللهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ» ولأن المحافظة على سائر الصلوات، أخفُّ وأسهل من المحافظة على وقت العصر أخفى الأوقات.