وقال آخرون: كان سقَّاء، واسمه بالعبرانية ساول بن قيس، وكان من سبط بنيامين ابن يعقوب، وكانوا عملوا ذنباً عظيماً، كانوا ينكحون النِّساء على ظهر الطَّريق نهاراً، فغضب الله عليهم ونزع الملك والنبوة عنهم وكانوا يسمون سبط الإثم، ثمَّ إنَّ الله تعالى أجابهم عن شُبْهتهم بقوله:{إِنَّ الله اصطفاه عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم} .
والاصطفاء: أخذ الملك من غيره صافياً، واصطفاه واستصفاه، بمعنى: الاستخلاص، وهو أخذ الشَّيء خالصاً.
وقال الزَّجَّاج: مأخوذٌ من الصَّفوة، فأصله اصتفى بالتاء، فأبدل التَّاء بالطَّاء ليسهل النُّطق بها بعد الصَّاد.
فصل
اعلم أنَّهم لمَّا طعنوا في استحقاقه للملك بأمرين:
أحدهما: كونه ليس من بيت المملكة.
والثاني: القدرة، وهذان الوصفان أشدُّ مناسبة لاستحقاق الملك من الوصفين الأوَّلن لوجوه:
أحدها: أنَّ العلم، والقدرة من باب الكمالات الحقيقيَّة، والمال والجاه ليسا كذلك.
الثاني: أنَّ العلم، والقدرة يمكن التَّوصُّل بهما إلى المال والجاه، ولا ينعكس.
الثالث: أنَّ المال والجاه، يمكن سلبهما عن الإنسان، والعلم والقدرة، لا يمكن سلبهما عنه.
الرابع: أنَّ العالم بأمر الحرب، والقويّ الشَّديد على المحاربة، ينتفع به في حفظ مصلحة الملك، ودفع شرِّ الأعداء، أكثر من الانتفاع بالرجل النَّسيب الغنيِّ الذي لا قدرة له على دفع الأعداء، ولا يحفظ مصلحة الملك.