فإنَّ معنى «لَمْ يَدَعْ مِنَ المَالِ إِلَاّ مُسْحَتاً» لم يبقَ من المالِ إِلَاّ مُسْحَتٌ، فلذلك عطف عليه «مُجَلَّفُ» بالرَّفع مُراعاة للمعنى المذكور. وفي البيت وجهان آخران، أحدهما. .
ولا بُدَّ من ذكر هذه المسألة لعموم فائدتها فأقول: إذا وقع في كلامهم استثناءٌ موجبٌ نحو: «قَامَ القَوْمُ إِلَاّ زَيْداً» فالمشهورُ وجوبُ النَّصب على الاستثناءِ. وقال بعضهم: يجوزُ أن يَتْبَعَ ما بعدَ «إِلا» ما قبلها في الإِعراب فتقول: «مَرَرْتُ بالقوم إلا زيدٍ» بجرّ «زَيْدٍ» واختلفوا في تابعيَّة هذا، فعبارةُ بعضهم أَنَّهُ نعتٌ لما قبلَه، ويقولُ: إنه يُنْعَتُ بإِلَاّ، وما بعدها مُطْلقاً سواءً كان متبوعُها معرفةً، أم نكرةً مضمراً، أم ظاهراً، وهذا خارجٌ عن قياس باب النَّعتِ لما قد عرَفْتَ فيما تقدَّم.
ومنهم مَنْ قال: لا يُنْعَتُ بها إِلَاّ نكرةً، أو معرفةً بأل الجنسيّةِ لقربها من النّكرة. ومنهم مَنْ قال: قَولُ النَّحويين هنا نعتٌ: إِنَّما يعنُون به عطفَ البيانِ؛ ومن مَجِيء الإتباع بما بعد «إِلَاّ» قوله: [الوافر]
لما ذكر تعالى أَنّ هذا الابتلاء ليتميز المُطِيعُ مِنَ المخالف، أخبر بعد ذلك بأَنَّهُم لما هجموا على النَّهرِ شرب أَكثرهم، وأطاع قليلٌ، فلم يشربوا، فأَمَّا الَّذين شربُوا فَرُوي أَنَّهم اسودَّت شفاههم وغلبهم العطش، ولم يرووا، وبقوا على شَطّ النَّهر وجبنوا عن لقاءِ العدُوّ، وأَمَّ الَّذين أطاعوا، فقوي قلبهم، وصحَّ إِيمانهُمُ.
قال السُّدِّيُّ: كانوا أربعة آلاف، وقال الحسن، وهو الصَّحيح: أنهم كانُوا على عَدَدِ أهل بدرِ ثلاثمائة، وبضعة عشر، ويدُلُّ عليه قوله عليه الصَّلاة والسَّلام لأصحابه يوم بدر: