فالجواب: أن كون آدم - عليه الصّلاة والسّلام - مسجوداً للملائكة؛ لا يوجب أَنْ يكون أفضل من محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بدليل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«آدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لوَائِي يَوْمَ القِيَامَةِ» وقال: «كُنْتُ نَبِيّاً وَآدَمُ بَيْنَ المَاءِ والطِّينِ» ، وروي أَنَّ جبريل - عليه الصَّلاة والسَّلام - أخذ بركاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليلة المعراج، وهذا أعظم من السُّجُود. وقال تعالى:{إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي}[الأحزاب: ٥٦]- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلّى بنفسه على محمَّد، وأمر الملائكة، والمؤمنين بالصَّلاة عليه، وذلك أفضل من سُجُود الملائكة، وأيضاً، فإِنَّ سُجُودَ الملائكة لآدم كان تأديباً، وأمرهم بالصَّلاة على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تقريباً، وأيضاً فالصَّلاة على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[دائمة إلى يوم القيامة وسجود الملائكة لآدم عليه السَّلام] لم يكن إلا مرَّةً واحدة، وأيضاً فإِنَّ الملائكة، إِنَّما أمروا بالسُّجود لآدم لأجل أَنَّ نور محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في جبهة آدم.
قال القرطبي: وقال ابن قتيبة: إِنَّما أراد بقوله: «أَنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» يوم القيامة؛ لأَنَّه الشافع يومئذ وله لواء الحمد والحوض، وأراد بقوله:«لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى يُونسَ بن مَتَّى» على طريق التواضع، لأنَّ قوله تعالى:{وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الحوت}[القلم: ٤٨] يدل على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل منه.
فإن قيل: إنه تعالى خصّ آدم بالعلم فقال: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا}[البقرة: ٣١] وقال في حقّ محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلَا الإيمان}[الشورى: ٥٢] وأيضاً فمعلم آدم هو الله تعالى ومحمد معلمه جبريل كما قال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى}[النجم: ٥] .
فالجواب: أن الله تعالى قال في علم محمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً}[النساء: ١١٣] ، وقال:{الرحمن عَلَّمَ القرآن}[الرحمن: ١ - ٢] وقال: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}[طه: ١١٤] ، وأما قوله:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} ، فذلك بحسب التلقين والمعلم هو الله كقوله:{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ}[السجدة: ١١] وقال: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا}[الزمر: ٤٢] .
فإن قيل: قال نوحٌ - عليه الصَّلاة والسَّلام - {وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الذين آمنوا}
[هود: ٢٩] وذلك خلق منه. وقيل لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {وَلَا تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}[الأنعام: ٥٢] .
فالجواب: قد قيل لنوح: {أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[نوح: ١] فكان أوَّل أمره العذاب. وقيل لنبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ١٠٧] ، وعاقبة نوح أن قال:{رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً}[نوح: ٢٦] وعاقبة النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الشّفاعة. قال تعالى:{عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً}[الإسراء: ٧٩] فما