وهو شابٌّ ثم أعمى عنه عيون الإنس والسِّباع والطَّير، ثمَّ أحياه الله بعد المائة، ونودي من السَّماء يا عزير «كَمْ لَبِثْتَ» بعد الموت، فقال:«يَوْماً» وذلك أن الله أماته ضحًى في أول النهار، وأحياه بعد مائة عامٍ آخر النَّهار قبل غيبوبة الشَّمس، فلما أبصر من الشَّمس بقيةً قال:«أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» فقال الله تبارك وتعالى: {بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فانظر إلى طَعَامِكَ} من التِّين، والعنب «وَشَرَابِكَ» من العصير لم يتغير طعمه، فنظر فإذا التين والعنب كما شاهدهما قال:«وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ» فنظر فإذا هو عظامٌ بيض تلوح وقد تفرَّقت أوصاله، وسمع صوتاً: أيَّتها العظام البالية، إنِّي جاعلٌ فيك روحاً، فانضم أجزاء العظام بعضها إلى بعضٍ، ثم التصق كلُّ عضو بما يليق به الضلع إلى الضلع، والذِّراع إلى مكانه، ثم جاء الرأس إلى مكانه، ثم العصب والعروق، ثم أنبت طراء اللحم عليه ثم انبسط الجلد عليه ثم خرجت الشعور من الجلد، ثمَّ نفخ فيه الروح، فإذا هو قائم ينهق، فخرَّ عزير ساجداً، وقال:{أَعْلَمُ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ثم إنَّه دخل بيت المقدس.
فقال القوم: حدَّثنا آباؤنا: أنَّ عزير بن شرخيا مات ببابل، وقد كان بختنصر قد قتل ببيت المقدس أربعين ألفاً من قراء التوراة، وكان فيهم عزير، والقوم ما عرفوا أنَّه يقرأ التوراة، فلمَّا أتاهم بعد مائة عام جدَّد لهم التوراة، وأملاها عليهم عن ظهر قلبه، فلم يخرم منها حرفاً، وكانت التوراة قد دفنت في موضع فأخرجت وعورض بما أملاها فما اختلفا في حرفٍ واحدٍ، فعند ذلك قالوا: عزير ابن الله، وهذه الرواية مشهورة.
ويروى أنه أرميا - عليه الصَّلاة والسَّلام - فدلَّ على أنَّ المارَّ كان نبيّاً؛ واختلفوا في تلك القرية:
فقال وهبٌ، وقتادة، وعكرمة، والربيع هي: إيلياء، وهي بيت المقدس، وقال ابن زيد هي القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت، وعن ابن زيد أيضاً أن القوم الذين خرجوا من ديارهم، وهم ألوفٌ حذر الموت فقال الله لهم: موتوا، مرَّ عليهم رجلٌ، وهم عظامٌ تلوح فوقف ينظر؛ فقال:{أنى يُحْيِي هذه الله بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ} .
قال ابن عطية: وهذا القول من ابن زيد مناقض لألفاظ الآية، إذا الآية إنما تضمَّنت قريةً خاويةً، لا أنيس فيها، والإشارة ب «هذه» إنَّما هي إلى القرية، وإحياؤها إنما هو بالعمارة، ووجود البناء والسكان.
قال القرطبي: روي في قصص هذه الآية: أنَّ الله تعالى بعث لها ملكاً من