للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كما قُرِئ: {لَاّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ} [الصافات: ٨] ، والأصل: يَتَسَمَّعُونَ؛ فأُدغم، وقرأ طلحة بن مصرفٍ: «لِمِئَةِ سَنَةٍ» .

فإن قيل: لما قال تعالى: {بَلْ لبثت مائة عام} كان مِنْ حقِّه أن يذكر عقيبه ما يدل على ذلك وقوله: {فانظر إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} لا يدلُّ على أنه لبث مائة عامٍ، بل يدلُّ ظاهراً على قول المسؤول إنه لبث يوماً أو بعض يوماً.

فالجواب أنه ذكر ذلك ليعظم اشتياقه إلى طلب الدَّليل الذي يكشف هذه الشبهة، فلما قال تعالى: {وانظر إلى حِمَارِكَ} فرأى الحمار صار رميماً وعظاماً نخرة، فعظُم تعجبه من قُدرة الله تعالى؛ فإنَّ الطعامَ، والشراب يسرع التغير إليهما، والحمارُ ربما بقي دهراً طويلاً عظيماً، فرأى ما لا يبقى باقياً، وهو الطعامُ، والشَّرابُ، وما يبقى غير باقٍ، وهو العظامُ فعظُم تعجبه من قدرة الله تعالى، وتمكّنت الحجةُ في قلبه، وعقله.

قوله: {وانظر إلى حِمَارِكَ} معناه أَنَّه عرَّفه طُول مدة موته، بأن شاهد انقلاب العِظام النخرة حيّاً في الحال، فإنه إذْ شاهد ذلك، علِمَ أن القادر على ذلك قادِرٌ على أَنْ يُميته مائة عام، ثم يُحْييه.

فإن قيل: إنَّ القادِرَ على إحياء العِظام النخرة، قادِرٌ على أَنْ يجعل الحمار عظاماً نخرة في الحال، وحينئذٍ لا يمكن الاستدلال بعظام الحمار على طُول مدة الموت.

فالجواب: أَنَّ انقلاب العِظام إلى الحياة معجزةٌ دالَّةٌ على صدق قوله: «بَلْ لَبِثْتَ مائةَ عامٍ» . قال الضحاك: إنَّهُ تعالى بعثهُ شابّاً أسود الرأس، وبنو بنيه شيوخٌ بيض اللِّحى، والرُّؤوس.

قوله: «وَلِنَجْعَلَكَ» فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه متعلقٌ بفعلٍ محذوفٍ مقدَّرٍ بعده، تقديره: ولنجعلك فعلنا ذلك.

الثاني: أنه معطوفٌ على محذوفٍ تقديره: فعلنا ذلك، لتعلَمَ قُدْرتنا ولنجعلك.

الثالث: أن الواو زائدة واللامُ متعلقةٌ بالفعلِ قبلها، أي: وانظر إلى حِمارِك، لنجعلَكَ.

قال الفرَّاء: وهذا المعنى غير مطلوبٍ من الكلامِ؛ لأنه لو قال فانظر إلى حِمارك لنجعلك آيةً للناسِ، كان النظرُ إلى الحمار شرطاً، وجعله آية جزاءً أَمَّا لمَّا قال: «وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً» [كان المعنى: ولنجعلك آيةً فعلنا ما فعلنا، من الإماتة، والإحياء. وليس في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ، كما زعم بعضهم؛ فقال: إن قوله: «وَلِنَجْعَلَكَ» مؤخر بعد قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>