الثاني: قال محمد بن إسحاق، والقاضي إِنَّ سببهُ أَنَّ إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - في مناظرته مع النُّمروذ، لما قال:{رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ}[البقرة: ٢٥٨] قال الملعون {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}[البقرة: ٢٥٨] فأطلق محبوساً، وقتل رجلاً، فقال إبراهيم ليس هذا بإحياءٍ وإماتة، وإنما الإِحياءُ، أن [الله] يقصد إلى جسد ميِّت فيُحْييه. فقال له نمروذ: أَنتَ عانيته؟ فلم يقدر أن يقول: نعم، فقال له نمروذ: قُل لربّك حتَّى يحيي، وإِلَاّ قتلتك، فسأل اللهَ - تعالى - ذلك.
وقوله:{لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} يعني: بنجاتي من القتل، أو ليطمئِنَّ قلبي بقوة حُجَّتي، وإذا قيل لي: أنت عانيته؟ فأقول: نعم، وأَنَّ عدولي منها إلى غيرها، ما كان بسبب ضعفِ تلك الحُجَّة، بل بسبب جهل [المستمع] .
الثالث: قال ابن عباسٍ، وسعيد بن جبير، والسديُّ: إِنَّ الله تعالى أوحى إليه إِنِّي متَّخذٌ بشراً خليلاً، فاستعظم إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - ذلك، وقال: إِلهي، ما علامةُ ذلك؟ فقال تعالى: علامتُه: أَنْ يُحْيي الميِّت بدعائه فلمَّا عظُم مقام إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - في مقام العُبُودية وأداءِ الرسالة خطر بباله إنّي لعلِّي أكون ذلك الخليل فسأل إحياء الميت، فقال الله: أَوَ لَمْ تُؤْمِنُ؟ قال: بَلَى وَلَكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي بأَنِّي خليلٌ لك.
الرابع: أنه - عليه السلام - إِنَّما سأل ذلك لقومه؛ لأَنَّ أَتْبَاع الأَنبياءِ كانوا يُطالبونهم بأشياء: تارةً باطلةٌ وتارةً حقة، كقولهم لموسى {اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف: ١٣٨] فسأل إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - ذلك. والمقصودُ أَنْ يُشاهِدَه قومه فيزول الإنكارُ عنهم.
الخامس: قال ابن الخطيب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إِنَّ الأمَّة لا يحتاجون إلى العلم بأَنَّ الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - صادق في ادِّعاء الرسالة إلى معجزة تظهر عليه، فكذلك الرسولُ، عن وصول الملك إليه، وإِخباره بأَنَّ اللهَ بعثه رسولاً يحتاج إلى معجزة تظهرُ على يد ذلك الملك؛ ليعلم الرسولُ أَنَّ ذلك الواصل ملكٌ لا شيطانٌ، فلا يبعد أَن يقال: إنه لمَّا جاء الملك إلى إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - وأخبره بأن اللهَ بعثك رسولاً إلى الخلق طلب المعجزة، فقال {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} على أَنَّ الآتي ملكٌ كريمٌ لا شيطانٌ رجيمٌ.
[قال ابن الخطيب: وعلى قول المتكلمين طلب العلم الضروريِّ، لأَنَّ الاستدلاليَّ مما يتطرقُ إليه الشكوكُ، والشُّبهاتُ، ولعلَّه طالع في الصُّحف المتقدمة أَنَّ