قال أبو البقاء:«وَلَا أَعْلَمُ أَحَداً قرأ بها» . والجزء: القطعة من الشيء، وأصل المادَّة يدلُّ على القطع، والتفرق، ومنه: التجزئة والأجزاء.
فصل في المعنيِّ بالجبل في الآية
ظاهر قوله:{على كُلِّ جَبَلٍ} جميع جبال الدنيا، فذهب مجاهد، والضحاك إلى العموم بحسب الإمكان، كأنه قيل: فرقها على كلِّ جبلٍ يمكنك التفرقة عليه.
وقال ابن عبَّاس، والحسن، وقتادة، والربيع: أُمر أن يجعل كلَّ طائرٍ أربعة أجزاءٍ، ويجعلها على أربعة أجبلٍ، على كل جبلٍ ربعاً من كل طائرٍ.
وقيل: على حسب الجهات الأربع: أعني المشرق، والمغرب، والشمال، والجنوب. وقال السديُّ، وابن جريج: سبعةٌ من الجبال؛ لأنَّ المراد على كل جبل يشاهده إبراهيم حتى يصح منه دعاء الطائر، وكانت الجبال التي يشاهدها - عليه الصَّلاة والسَّلام - سبعةٌ.
قوله:{يَأْتِينَكَ} جواب الأمر، فهو في محلِّ جزمٍ، ولكنه بُني لاتصاله بنون الإناث.
قوله:{سَعْياً} فيه أوجه:
أحدها: أنه مصدرٌ واقعٌ موقع الحال من ضمير الطير، أي: يَأتينك ساعياتٍ، أو ذوات سعي.
والثاني: أن يكون حالاً من المخاطب، ونقل عن الخليل ما يقوِّي هذا، فإنه روي عنه:«أن المعنى: يأتينك وأنت تسعى سعياً» فعلى هذا يكون «سعياً» منصوباً على المصدر، وذلك الناصب لهذا المصدر في محلِّ نصب على الحال من الكاف في «يَأْتِينَكَ» . قال شهاب الدين: والذي حمل الخليل - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذا التقدير؛ أنه لا يقال عنده:«سَعَى الطائرُ» فلذلك جعل السَّعي من صفات الخليل - عليه السلام - لا من صفة الطيور.
الثالث: أن يكون «سَعْياً» منصوباً على نوع المصدر؛ لأنه نوعٌ من الإتيان، إذ هو إتيانٌ بسرعةٍ، فكأنه قيل: يأتينك إتياناً سريعاً.
وقال أبو البقاء:«ويجوز أن يكون مصدراً مؤكِّداً؛ لأنَّ السعي، والإتيان يتقاربان» ، وهذا فيه نظرٌ؛ لأن المصدر المؤكِّد لا يزيد على معنى عامله، إلَاّ أنه تساهل في العبارة.