والإعصارُ من بين سائر أسماءِ الريحِ، مذكرٌ، ولهذا رجع إليه الضمير مذكَّراً في قوله:«فيه نارٌ» .
و «نَارٌ» يجوز فيه الوجهان: أعني الفاعلية، والجارُّ قبلها صفةٌ ل «إِعْصار» والابتدائية، والجارُّ قبلها خبرها، والجملة صفةُ «إِعْصارٌ» ، والأول أَولى؛ لما تقدَّم من أنَّ الوصف بالمفرد أَولى، والجارُّ أقربُ إليه من الجملة.
قوله:{فاحترقت} أي: أحرقها، فاحترَقَتْ، فهو مطاوعٌ لأَحْرق الرباعي، وأمَّا «حَرَقَ» من قولهم: «حَرَقَ نابُ الرجُلِ» إذا اشتدَّ غيظهُ، فيُستعمل لازِماً، ومتعدِّياً، قال:[الطويل]
رُوي برفع «نَابهُ» ونصبه، وقوله {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات} إلى آخره قد تقدَّم نظيرُه.
فصل
قال عبيد بن عمير: قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - لأصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيمن ترون هذه الآية نزلت {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} ؟ قالوا: الله أعلم، فغضب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فقال: قولوا: نعلم، أو لا نعلم، فقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - يا ابن أخي، قل ولا تحقر نفسك، فقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: ضُرِبَت مثلاً لعمل فقال عمر: أيُّ عملٍ؟ فقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: لعمل منافقٍ، ومراءٍ، قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: لأي رجل؟ قال لرجل غني يعمل بطاعة الله، بعث الله له الشيطان؛ فعمل بالمعاصي؛ حتى أحرق أعماله.
وقال المفسّرون: هذا مثلٌ ضربه الله تعالى لعمل المنافق، والمرائي، يقول: عمله في حسنه كحسن الجنَّة، كما ينتفع صاحب الجنَّة بالجنة.