أَوْ» المقتضية لأحد الشيئين، فلا. وقال الأخفش: الضمير عائدٌ إلى الأخير كقوله: {وَمَن يَكْسِبْ خطيائة أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} [النساء: ١١٢] وقيل: يعود إلى «ما» في قوله: «وَمَا أَنْفَقْتُمْ» لأنها اسمٌ كقوله: {وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الكتاب والحكمة يَعِظُكُمْ بِهِ} [البقرة: ٢٣١] ، ولا حاجة إلى هذا أيضاً؛ لما عرفت من حكم «أو» .
قوله: {فَإِنَّ الله يَعْلَمُهُ} أفاد: الوعد العظيم للمطيعين، والوعيد الشديد للمتمردين، لأنه يعلم ما في قلب المتصدق من الإخلاص فيتقبل منه تلك الطاعة؛ كما قال:
{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} [المائدة: ٢٧] ، وقوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: ٧، ٨] .
قوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} اعلم أنَّ الظالم قسمان:
الأول: من ظلم نفسه وهو يشتمل على كل المعاصي.
الثاني: من ظلم غيره بأن لا ينفق أو لا يصرف الإنفاق عن المستحق إلى غ يره، أو ينفق على المستحقِّ رياءً وسمعةً، أو يفسدها بالمعاصي وهذان القسمان الأخيران ليسا من باب الظُّلم على الغير، بل من باب الظلم على النَّفس.
فصل في دحض شبهة للمعتزلة في إنكار الشفاعة
تمسَّك المعتزلة بهذه الآية، في نفي الشَّفاعة عن أهل الكبائر، قالوا: لأنَّ ناصر الإنسان من يدفع الضرر عنه، فلو اندفعت العقوبة عنهم بالشفاعة، لكان أولئك الشفعاء أنصاراً لهم، وذلك يضاد الآية.
وأجيبوا بوجوه:
الأول: أن الشفيع لا يسمَّى في العرف ناصراً، بدليل قوله: {واتقوا يَوْماً لَاّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة: ١٢٣] ففرَّق تعالى بين الشفيع، والناصر؛ فلا يلزم من نفي الناصر نفي الشفيع.
الثاني: أن الشفيع إنما يشفع عن المشفوع عنده على سبيل استعطافه، والناصر ينصره عليه، والفرق ظاهرٌ.
وأجاب آخرون: بأنه ليس لمجموع الظالمين من أنصارٍ.
فإن قيل: لفظ «الظَّالِمِينَ» ، ولفظ «الأَنْصَارِ» جمعٌ، والجمع إذا قوبل بالجمع، توزع الفرد على الفرد، فكان المعنى: ليس لأحدٍ من الظالمين، أحدٌ من الأنصار.
قلنا لا نسلّم أن مقابلة الجمع بالجمع توجب توزع الفرد على الفرد؛ لاحتمال أن يكون المراد مقابلة الجمع بالجمع فقط لا مقابلة الفرد بالفرد.
الوجه الثالث: أن هذا الدليل للشفاعة عامٌّ في حقِّ الكلِّ في الأشخاص،