أي: وهو يُكفِّر؛ فيمن قرأ بالياء، ونحن نكفِّر؛ فيمن قرأ بالنون، أو وهي تُكَفِّر؛ فيمن قرأ بتاء التأنيث.
والثالث: أنه عطفٌ على محلِّ ما بعد الفاء، إذ لو وقع مضارعٌ بعدها، لكان مرفوعاً؛ كقوله تبارك وتعالى:{ومعناه وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ}[المائدة: ٩٥] ، ونظيره {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأعراف: ١٨٦] في قراءة من رفع.
ومن نصب، فعلى إضمار «أَنْ» ؛ عطفاً على مصدر متوهَّم، مأخوذ من قوله:{فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} ، والتقدير: وإن تخفوها يكن، أو يوجد خيرٌ لكم وتكفيرٌ. ونظيرها قراءة من نصب:«فيغفر» بعد قوله: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله}[البقرة: ٢٨٤] ، إلَاّ أنَّ تقدير المصدر في قوله:«يُحَاسِبْكُمْ» ثَمَّ أسهل منه هنا؛ لأنَّ ثمَّة فعلاً مصرَّحاً به، وهو «يُحَاسِبْكُمْ» ، والتقدير: يقع محاسبةً فغفرانٌ، بخلاف هنا، إذ لا فعل ملفوظٌ به، وإنما قدَّرنا المصدر من مجموع قوله:{فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} .
وقال الزمخشريُّ:«ومعناه: وإِنْ تُخْفُوها، يكُنْ خَيْراً لكم، وأَنْ يُكَفِّرَ» قال أبو حيَّان: «وظاهِرُ كَلَامِهِ هذا أنَّ تقديره:» وأَنْ يُكَفِّرَ «يكون مقدَّراً بمصدر، ويكون معطوفاً على» خَيْراً «الذي هو خبر» يَكُنْ «التي قدَّرها، كأن قال: يكنِ الإخفاء خيراً لكم وتكفيراً، فيكون» أَنْ يُكَفِّرَ «في موضع نصبٍ، والذي تقرَّر عند البصريِّين: أنَّ هذا المصدر المنسبك من:» أنْ «المضمرة مع الفعل المنصوب بها، هو معطوفٌ على مصدر متوهَّم مرفوع، تقديره من المعنى. فإذا قلت:» مَا تَأْتِينَا فتحدثنا «فالتقدير: ما يكون منك إتيانٌ فحديثٌ، وكذلك:» إِنْ تَجِىءْ وتُحْسِنَ إليَّ، أُحْسِنْ إليك «التقدير: إن يكن منك مجيءٌ، وإحسانٌ أُحْسن إليك، فعلى هذا يكون التقدير: وإن تخفوها، وتؤتوها الفقراء، فيكون زيادة خير للإخفاء على خير الإبداء وتكفيرٌ» . انتهى. قال شهاب الدين: ولم أدر ما حمل الشيخ على العدول عن تقدير أبي القاسم، إلى تقديره وتطويل الكلام في ذلك؛ مع ظهور ما بين التقديرين؟
وقال المهدويُّ:«هو مُشَبَّهٌ بالنصب في جواب الاستفهام، إذ الجزاء يجب به الشيء، لوجوب غيره كالاستفهام» . وقال ابن عطيَّة:«الجزمُ في الراء أفصحُ هذه القراءات؛ لأنها تُؤْذِنُ بِدُخُولِ التكفير في الجزاء، وكونه مَشْرُوطاً إن وقع الإخفاء، وأمَّا رفع الراء، فليس فيه هذا المَعْنَى» قال أبو حيان: «ونقولُ إنَّ الرفع أبلغُ وأعمُّ؛ لأنَّ الجزم يكون على أنَّه معطوفٌ على جواب الشرط الثاني، والرفع يدلُّ على أنَّ التكفير مترتِّبٌ من جهة المعنى على بذل الصدقات أُبْدِيَتْ، أو أُخْفيت، لأنَّا نعلم أنَّ هذا التكفير متعلِّقٌ بما قبله، ولا يختصُّ التكفير بالإخفاء فقط، والجزم يخصِّصه به، ولا يمكن أن