للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المحسبة، أي: إنه لا يظهر لهم سؤالٌ، بل هو قليلٌ، فالجاهل بهم مع علمه بفقرهم يحسبهم أغنياء عنه، ف «مِنْ» لبيان الجنس على هذا التأويل.

قال أبو حيَّان: «وليس ما قالَه مِنْ أنَّ» مِنْ «هذه في هذا المعنى وهو أن تتقدَّر» مِنْ بموصولٍ، وما دخلت عليه يجعل خبر مبتدأ محذوف؛ كقوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: ٣٠] يصح أن يقال: الذي هو الأوثان، ولو قلت هنا: «يَحْسَبُهُم الجَاهِلُ أغنياء الَّذِي هُوَ التَّعفف» لم يصحَّ هذا التقدير؛ وكأنه سمَّى الجهة التي هم أغنياء بها بيان الجنس، أي: بيَّنت بأيِّ جنسٍ وقع غناهم، أي: غناهم بالتعفف لا غنى بالمال، فسمَّى «مِنْ» الداخلة على ما يبيِّن جهة الغنى ببيان الجنس، وليس المصطلح عليه كما قدَّمناه، وهذا المعنى يؤول إلى أنَّ «مِنْ» سببية، لكنها تتعلق بأغنياء، لا بيحسبهم «. انتهى.

وتتعلَّق» مِنْ «على الوجهين الأولين بيحسبهم. قال أبو البقاء رَحِمَهُ اللَّهُ:» ولا يجوزُ أن تتعلَّق بمعنى «أغْنِياء» ؛ لأنَّ المعنى يصير إلى ضد المقصود، وذلك أنَّ معنى الآية: أنَّ حالهم يخفى على الجاهل بهم؛ فيظنُّهم أغنياء، ولو علِّقت بأغنياء، صار المعنى، أنَّ الجاهل يظنُّ أنهم أغنياء، ولكن بالتعفف، والغنيُّ بالتعفف فقيرٌ من المال «. انتهى، وما قاله أبو البقاء يحتمل بحثاً.

وأما على الوجه الثالث - وهو كونه لبيان الجنس - فقد صرَّح أبو حيان بتعلُّقها بأغنياء؛ لأن المعنى يعود إليه، ولا يجوز تعلُّقها في هذا الوجه بالحسبان، وعلى الجملة: فكونها لبيان [الجنس، قلق المعنى] .

والتعفُّف: تفعُّل من العفَّة: وهو ترك الشيء، والإعراض عنه، مع القدرة على تعاطيه؛ قال رؤبة: [الرجز]

١٢٤١ - فعَفَّ عَنْ أَسْرَارِهَا بَعْدَ الغَسَقْ ... وَلَمْ يَدَعْهَا بَعْدَ فَرْكٍ وَعَشَقْ

وقال عنترة: [الكامل]

١٢٤٢ - يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقِيعَةَ أَنَّنِي ... أَغْشَى الوَغَى وَأَعِفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ

ومنه: «عَفِيفُ الإِزَارِ» كنايةٌ على حصانته، وعرَّف التعفف، لأنه سبق منهم مراراً فصار كالمعهود، ومتعلَّق التعفف، محذوفٌ؛ اختصاراً، أي: عن السؤال، والأحسن ألَاّ يقدَّر.

<<  <  ج: ص:  >  >>