قال ابن الخطيب: وعندي أنَّ الكلَّ فيه نظرٌ؛ لأن كل ما ذكروه علاماتٌ دالَّةق على حصول الفقر، وذلك يناقض قوله:{يَحْسَبُهُمُ الجاهل أَغْنِيَآءَ مِنَ التعفف} بل المراد شيء آخر، وهو أن لعباد الله المخلصين هيبة ووقعاً في قلوب الخلق، كل من رآهم تأثر منهم، وتواضع لهم؛ وذلك إدراكاتٌ روحانيةٌ، لا علاتٌ جسمانيةٌ؛ ألا ترى أنَّ الأسد إذا مرَّ هابته جميع السباع بطباعها، لا بالتجربة؛ لأن الظاهر أن تلك التجربة ما وقعت، وكذلك البازي، إذا طار فرّت منه الطيور الضَّعيفة، وكل ذلك إدراكاتٌ روحانية، لا جسمانية فكذا ها هنا، روي أنهم كانوا يقومون الليل، للتهجّد، ويحتطبون بالنهار؛ للتعفف.
الصفة الخامسة: قوله: {لَا يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافاً} في نصبه «إلحافاً» ثلاثة أوجه:
أحدها: نصبه على المصدر بفعلٍ مقدَّر، أي: يلحفون إلحافاً، والجملة المقدرة حالٌ من فاعل «يَسْألون» .
والثاني: أن يكون مفعولاً من أجله، أي: لا يسألون؛ [لأجل الإلحاف.
والثالث: أن يكون مصدراً في موضع الحال، تقديره: لا يسألون] ملحفين.
فصل في تفسير الإلحاف
الإلحاف: هو الإلحاح؛ قال عطاءٌ: إذا كان عنده غداءٌ لا يسأل عشاءً، وإذا كان عنده عشاءٌ لا يسأ غداءً.
وعن ابن مسعودٍ إن الله يحب العفيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء السَّائل الملحف، الذي إن أعطي كثيراً، أفرط في المدح، وإن أعطي قليلاً أفرط في الذَّمِّ.
وعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «لَا يَفْتَحُ أَحَدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَاّ فَتح الله عليه بَابَ فَقْرٍ، ومَنْ