أحدها: أن من كان لله كان الله له، فإذا كان الإنسان يحسن إلى عبيد الله، فالله تعالى لا يتركه ضائعاً، ولا جائعاً في الدنيا، وقد ورد في الحديث أنَّ ملكاً ينادي كلَّ يومٍ:«اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِكُلِّ مُنْفِقٍ خَلَفاً، ولكل مُمْسِكٍ تَلَفاً» .
وثانيها: أنه يزداد كلَّ يومٍ في جاهه، وذكره الجميل، وميل القلوب إليه.
وثالثها: أن الفقراء يعينونه بالدعاء الخالص من قلوبهم.
ورابعها: أنَّ الأطماع تنقطع عنه، فإنه متى اشتهر بإصلاح مهمَّات الفقراء، والضعفاء؛ فكلُّ أحدٍ يحترز عن منازعته، وكلُّ ظالم، وطمَّاع يتخوف من التعرض إليه، اللهم إلَاّ نادراً، فهذا هو المراد بإرباء الصدقات في الدنيا.
وأما إرباؤها في الآخرة، فروى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقبلُ الصَّدَقَاتِ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهَا إِلَاّ الطَّيِّبَ ويَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُربِّيها كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مَهرَةُ أَوْ فَلُوَّهُ حتى إنَّ اللقمةَ تَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ» وتصديق ذلك بيِّنٌ في كتاب الله تعالى {أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصدقات}[التوبة: ١٠٤] .
وقال ابن الخطيب: ونظير قوله: {يَمْحَقُ الله الربا} المثل الذي ضربه فيما تقدم بصفوانٍ عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلداً ونظير قوله: {وَيُرْبِي الصدقات} المثل الذي ضربه الله بحبةٍ أنبتت سبع سنابل في كلِّ سنبلةٍ مائة حبَّةٍ.
قوله:{والله لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} اعلم أن الكفَّار فعَّالٌ من الكفر، ومعناه: أن ذلك عادته، والعرب تسمي المقيم على الشيء بهذا فتقول: فلان فعَّالٌ للخير أمَّارٌ به و «الأَثِيم» فعيل بمعنى فاعلٍ، وهو الآثم، وهو - أيضاً - مبالغةٌ في الاستمرار على اكتساب الإثم والتمادي فيه، وذلك لا يليق إلَاّ بمن ينكر تحريم الربا، فيكون جاحداً.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون «الكَفَّارُ» راجعاً إلى المستحلّ «والأَثيم» يكون راجعاً إلى من يفعله مع اعتقاد التحريم؛ فتكون الآية الكريمة جامعةً للفريقين.