للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الثالثة: قال عطاء، وعكرمة: نزلت في العباس بن عبد المطَّلب، وعثمان بن عفَّان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجذاذ، قال لهما صاحب التمر: إن أنتما أخذتما حقكما، لا يبقى لي ما يكفي عيالي! فهل لكما أن تأخذا النصف، وتؤخِّرا النّصف؛ وأضعف لكما؟ ففعلا، فلما جاء الأجل، طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فنهاهما فأنزل الله هذه الآية؛ فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما.

الرابعة: قال السُّدِّيُّ: نزلت في العباس، وخالد بن الوليد، وكانا شريكين في الجاهلية، يسلفان في الربا إلى بني عمرو بن عميرٍ، وناسٍ من ثقيف، فجاء الإسلام ولهما أموالٌ عظيمةٌ في الربا؛ فأنزل الله هذه الآية. فقال النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في «حجةِ الوَدَاعِ» في خطبته يوم عرفة «أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ، ودِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وإنَّ أَوَّلَ دَم أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابنِ رَبِيعَةَ بن الحَارِثِ، كان مُسْتَرْضِعاً في بني سعدٍ؛ فقَتَلَه هُذيْلٌ، وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وأَوَلُّ رِباً أَضَعُ رِبَا العباسِ بنِ عَبْد المطلبِ؛ فإنه مَوْضُوعٌ كُلُّه» .

فصل

القاضي قوله: {إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} يدلُّ على أنَّ الإيمان لا يتكامل إذا أصرَّ الإنسان على الكبائر، ولا يصير الإنسان مؤمناً على الإطلاق، إلَاّ إذا اجتنب كل الكبائر.

والجواب: لمَّا دلَّت الدلائل الكثيرة المذكورة في قوله تعالى: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: ٣] على أنَّ العمل خارج عن مسمَّى الإيمان، كانت هذه الآية محمولةً على كمال الإِيمان وشرائعه، فكان التقدير: إن كنتم عاملين بمقتضى شرائع الإيمان، وهذا وإن كان تركاً للظاهر لكنا ذهبنا إليه؛ لتلك الدلائل.

فإن قيل: كيف أمر بالمحاربة مع المسلمين؟

قلنا: هذه اللفظة قد تطلق على من عصى الله غير مستحل كما جاء في الخبر

«مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً، فَقَدْ بَارَزَنِي بالمُحَارَبَةِ» ، وعن جابر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «مَنْ لم يَدَع المخابرة، فليأذَن بحرب من اللهِ ورسُوله» وقد جعل كثيرٌ من المفسرين والفقهاء قوله: {إِنَّمَا جَزَآءُ الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] أصلاً في قطع الطريق من المسلمين، فثبت أن ذكر هذا النوع من التهديد مع المسلمين وارد في كتاب وسنة رسوله.

وفي الجواب عن السؤال وجهان:

الأول: أن المراد المبالغة في التهديد دون نفس الحرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>