فيه من الشِّدة، والأهوال، واتقاء تلك الأهوال لا يمكن إلَاّ في دار الدُّنيا بمجانبة المعاصي، وفعل الواجبات؛ فصار قوله: {واتقوا يَوْماً} يتضمن الأمر بجميع أنواع التكليف.
قال جمهور العلماء: المراد بهذا اليوم المحذَّر منه هو يوم القيامة.
وقيل يوم الموت، قال ابن عطية: والأول أصحُّ.
فصل
اعلم أنَّ الرجوع إلى الله ليس المراد منه، ما يتعلق بالمكان والجهة؛ فإن ذلك محالٌ على الله تعالى، وليس المراد الرجوع إلى علمه، وحفظه؛ فإنه معهم أينما كانوا، لكن كل ما في القرآن من الرجوع إلى الله، فله معنيان:
الأول: أن الإنسان له ثلاثة أحوالٍ مرتَّبين، فالأولى: كونهم في بطون أمَّهاتهم لا يملكون نفعهم، ولا ضرَّهم؛ بل المتصرف فيهم ليس إلَاّ الله تعالى.
والثانية: بعد خروجهم من البطون، فالمتكفل بإصلاح أحوالهم في أوَّل الأمر الأبوان، ثم بعد ذلك، يتصرف بعضهم في بعض، في حكم الظاهر.
الثالثة: بعد الموت وهناك لا يتصرف فيهم إلَاّ الله تعالى، فكأنه بعد الخروج عن الدنيا عاد إلى الحالة التي كان عليها قبل الدخول في الدنيا، فهذا معنى الرجوع إلى الله.
المعنى الثاني: أن المراد يرجعون إلى ما أعدَّ الله لهم من ثوابٍ، وعقابٍ.
قوله: {ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} معناه: أنَّ المكلف يصل إليه جزاء عمله بالتمام، كما قال: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: ٧، ٨] ، وقال: {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: ٤٧] .
وفي تأويل قوله: {مَّا كَسَبَتْ} وجهان:
أحدهما: فيه حذفٌ تقديره: جزاء ما كسبت.
والثاني: أنَّ المكتسب إنَّما هو الجزاء في الأصل، فقوله {مَّا كَسَبَتْ} معناه: ذلك الجزاء وهذا أولى؛ لأنه لا يحتاج إلى الإضمار.
قوله: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} جملة حالية من «كلِّ نَفْسٍ» وجمع اعتباراً بالمعنى، وأعاد الضمير عليها أولاً مفرداً في «كَسَبَتْ» اعتباراً باللفظ، وقدِّم اعتبار اللفظ؛ لأنه الأصل، ولأنَّ اعتبار المعنى وقع رأس فاصلة؛ فكان تأخيره أحسن.
قال أبو البقاء: وَيَجُوزُ أن يكون حالاً من الضمير في: «يُرْجَعُون» على القراءة بالياء، ويجوز أن يكون حالاً منه - أيضاً - على القراءة بالتاء، على أنَّه خروج من