بالكلية، «والَّذِي لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُملّ» من يضعف لسانه عن الإملاء لخرسٍ، أو لجهله بما عليه، وله.
فهؤلاء لا يصحُّ منهم الإملاء، ولا الإقراء، فلا بدَّ ممَّن يقوم مقامهم.
فقال تعالى:{فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالعدل} .
قيل: الضُّعف بضم الضَّاد في البدن، وبفتحها في الرأي.
وقيل: هما لغتان.
قال القرطبيُّ: والأول أصحُّ.
قوله:{أَن يُمِلَّ هُوَ} أن، وما في حيِّزها في محل نصب مفعولاً به، أي: لا يستطيع الإملال، و «هو» تأكيدٌ للضمير المستتر. وفائدة التوكيد به رفع المجاز الذي كان يحتمله إسناد الفعل إلى الضمير، والتَّنصيص على أنه غير مستطيع بنفسه، قاله أبو حيان.
وقرئ بإسكان هاء:«هو» وهي قراءة ضعيفة؛ لأنَّ هذا الضمير كلمةٌ مستقلةٌ منفصلة عما قبلها.
ومن سكَّنها أجرى المنفصل مجرى المتصل، وقد تقدَّم هذا في أول هذه السورة، قال أبو حيَّان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «وهذا أشذُّ من قراءة من قرأ: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة}[القصص: ٦١] .
قال شهاب الدين: فجعل هذه القراءة شاذةً وهذه أشذُّ منها، وليس بجيد، فإنَّها قراءة متواترة قرأ بها نافع بن أبي نعيم قارىء أهل المدينة فيما رواه عنه قالون، وهو أضبط رواته لحرفه، وقرأ بها الكسائي أيضاً وهو رئيس النحاة.
والهاء في» وليُّه «للذي عليه الحقُّ، إذا كان متصفاً بإحدى الصِّفات الثلاث؛ لأن وليَّه هو الَّذي يُقر عليه بالدَّين كما يقرُّ بسائر أُموره، وقال ابن عبَّاس، ومقاتلٌ والرَّبيعُ: المراد بوليِّه: وَلِيُّ الدَّين وهذا بعيدٌ؛ لأَنَّ قول المُدّعي لا يقبل، فإِن اعتبرنا قوله، فأيُّ حاجة إلى الكتابة، والإشهاد؟
وقوله:» بالعدْلِ «تقدَّم نظيره.
فصلٌ
واعلم أَنَّ المقصود من الكتابة: هو الاستشهادُ؛ لكي يتمكَّن صاحب الحقّ بالشُّهود إلى تحصيل حقّه عند الجحود.