وقرأ عاصم هنا «تِجَارَةً» بالنَّصب، وكذلك «حَاضِرَةً» ؛ لأنها صفتها، ووافقه الأخوان، والباقون قرءوا بالرَّفع فيهما.
فالرَّفع فيه وجهان:
أحدهما: أنها التامة، أي: إلا أن تحدث، أو تقع تجارة، وعلى هذا فتكون «تُدِيرونها» في محلِّ رفع صفةً لتجارة أيضاً، وجاء هنا على الفصيح، حيث قدَّم الوصف الصريح على المؤول.
والثاني: أن تكون النَّاقصة، واسمها «تِجَارَةٌ» والخبر هو الجملة من قوله: «تُدِيرُونَهَا» كأنه قيل: إلا أنَّ تكون تجارةٌ حاضرةٌ مدارةٌ، وسوَّغ مجيء اسم كان نكرةً وَصْفُه، وهذا مذهب الفراء و [تابعه] آخرون.
وأمَّا قراءة عاصم، فاسمها مضمرٌ فيها، فقيل: تقديره: إلا أن تكون المعاملة، أو المبايعة، أو التجارة. وقدَّره الزَّجاج إلَاّ أن تكون المداينة، وهو أحسن. وقال الفارسيُّ:«ولا يجوز أن يكون [التَّداينُ] اسم كان؛ لأنَّ التَّداين معنًى، والتّجارة الحاضرة يراد بها العين، وحكم الاسم أن يكون الخبر في المعنى، والتَّداين حقٌّ في ذمة المستدين، للمدين المطالبة به، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون اسم كان لاختلاف التَّداين، والتّجارة الحاضرة» وهذا الرد لا يظهر على الزجاج، لأنَّ التِّجارة أيضاً مصدرٌ، فهي معنًى من المعاني لا عينٌ من الأعيان، وأيضاً فإنَّ من باع ثوباً بدرهم في الذِّمَّة بشرط أن يؤدى الدّرهم في هذه السَّاعة، كان مداينة، وتجارةً حاضرة.
وقال الفارسيُّ أيضاً: ولا يَجُوزُ أيضاً أن يكون اسمها «الحَقُّ» الذي في قوله: {فَإن كَانَ الذي عَلَيْهِ الحق} للمعنى الذي ذكرنا في التَّداين، لأنَّ ذلك الحقَّ دينٌ، وإذا لم يجز هذا لم يخل اسم كان من أحد شيئين:
أحدهما: أنَّ هذه الأشياء التي اقتضت من الإشهاد، والارتهان قد علم من فحواها التبايُع، فأضمر التَّبايع لدلالة الحال عليه كما أضمر لدلالة الحال فيما حكى سيبويه رَحِمَهُ اللَّهُ:«إذا كَانَ غَداً فَأتني» ؛ وينشد على هذا:[الطويل]