تِجَارَةً حَاضِرَةً} لا يمكن حمله على ظاهره، بل المراد من التِّجارة ما يتجر فيه من الأبدال، ومعنى إدارتها بينهم معاملتهم فيها يداً بيدٍ، ومعنى نفي الجناح، أي: لا مضرّة عليكم في ترك الكتابة، ولم يرد نفي الإثم، لأنَّه لو أراد الإثم؛ لكانت الكتابة المذكورة واجبة عليهم، ويأثم صاحب الحقّ بتركها، وقد ثبت خلافه، وبيان أنَّه لا مضرَّة عليهم في تركها؛ لأنَّ التِّجارة الحاضرة تقع كثيراً، فلو تكلَّفوا فيها الكتابة، والإشهاد؛ يشقُّ عليهم، وأيضاً فإنَّ كلَّ واحدٍ من المتعاملين إذا أخذ حقَّه من صاحبه في المجلس؛ لم يكن هناك خوف التَّجاحد، فلا حاجة إلى الكتابة، والإشهاد.
قوله:{وأشهدوا} : هذا أمر إرشاد إلى طريق الاحتياط.
قال أكثر المفسِّرين: إنَّ الكتابة، وإن رفعت عنهم في التِّجارة الحاضرة؛ فلا يرفع الإشهاد؛ لأن الإشهاد بلا كتابة تخف مؤنته.
قوله:{إِذَا تَبَايَعْتُمْ} يجوز أن تكون شرطيةً، وجوابها: إمَّا متقدّم عند قومٍ، وإمَّا محذوف لدلالة ما تقدَّم عليه تقديره: إذا تبايعتم فأشهدوا، ويجوز أن تكون ظرفاً محضاً، أي: افعلوا الشَّهادة وقت التبايع.
قوله:{وَلَا يُضَآرَّ} العامَّة على فتح الرَّاء جزماً، ولا ناهيةٌ، وفتح الفعل لما تقدَّم في قراءة حمزة:«إِن تَضِلَّ» . ثمَّ هذا الفعل يحتمل أن يكون مبنيّاً للفاعل، والأصل:«يُضَارِرْ» بكسر الرَّاء الأولى، فيكون «كَاتِب» ، و «شَهِيد» فاعلين نهيا عن مضارَّة المكتوب له، والمشهود له، نهي الكاتب عن زيادة حرف يبطل به حقّاً أو نقصانه، ونهي الشَّاهد عن كتم الشَّهادة، واختاره الزجاج، ورجَّحه بأنَّ الله تعالى قال:{فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} ، ولا شكَّ أنَّ هذا من الكاتب والشَّاهد فسقٌ، ولا يحسن أن يكون إبرام الكاتب والشهيد والإلحاح عليهما فسقاً. لأنَّ اسم الفسق بمن يحرف الكتابة، وبمن يمتنع عن الشَّهادة؛ حتّى يبطل الحقّ بالكليّة أولى منه بمن أضرّ الكاتب والشَّهيد؛ ولأنه تبارك وتعالى قال فيمن يمتنع عن أداء الشَّهادة «
{وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة: ٢٨٣] والإثم والفسق متقاربان وهذا في التَّفسير منقول عن ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - ومجاهد وطاوس، والحسن وقتادة. ونقل الدَّاني عن ابن عمر، وابن عبَّاس، ومجاهد، وابن أبي إسحاق أنهم قرءوا الرَّاء الأولى بالكسر، حين فكُّوا.
ويحتمل أن يكون الفعل فيها مبنيّاً للمفعول، والمعنى: أنَّ أحداً لا يُضَارِرُ الكاتب ولا الشَّاهد، ورجَّح هذا بأنه لو كان النَّهي متوجِّهاً للكاتب والشّهيد لقال: «وإِنْ تفعلا فإنه فسوقٌ بكما» ، ولأنَّ السياق من أول الآيات إنما هو للمكتوب له والمشهود له بأن يودّهما