للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

للحقِّ، وكان من الجائزِ أيضاً أن يكون بعضُ الناسِ مُطّلعاً على أحوالهم، فهاهنا ندب اللهُ ذلك المطلع إلى أن يسعى في إحياء ذلك الحق، وأن يشهد لصاحب الحق بحقه، ومنعه من كتمانِ الشَّهادةِ سواء عرف ذلك الحق، وأن يشهد لصاحب الحق بحقه، ومنعه من كتمانِ الشَّهادةِ سواء عرف صاحبُ الحق تلك الشهادة، أم لا، وشدَّد فيه بأن جعله آثِمَ القلبِ بكتمانها.

وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» .

الثاني: أَنَّ المراد من كتمان الشهادة أن ينكر العلم بتلك الواقعة، ونظيره قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله} [البقرة: ١٤٠] والمرادُ الجُحودُ وإنكارُ العِلْمِ.

الثالث: كِتمانُ الشهادة: هو الامتناع مِنْ أدَائها عند الحاجة إلى إقامتها، كما تقدَّمَ في قوله: {وَلَا يَأْبَ الشهدآء إِذَا مَا دُعُواْ} [البقرة: ٢٨٢] ؛ لأنه متى امتنع عن إقامة الشهادة صار كالمبطل لحقه، وحُرمة مال المسلم كحُرمةِ دمه، فلهذا بالغَ في وعيده.

وقرأ أَبُو عَبدِ الرحْمَن «وَلَا يَكْتُمُوا» بياءِ الغيبةِ؛ لأن قَبْلَهُ غَيْباً وهم مَنْ ذُكر في قوله: «كَاتِبٌ ولا شهيد» .

قوله: {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} في هذا الضمير وجهان:

أحدهما: أنه ضميرُ الشأنِ، والجملةُ بعدَه مفسِّرٌ له.

والثاني: أنه ضميرُ «مَنْ» في قوله: «ومَنْ يَكْتُمْهَا» وهذا هو الظاهرُ.

وأمَّا «آثِمٌ قَلْبُهُ» ففيه أوجهٌ:

أظهرها: أنَّ الضميرَ في «إِنَّهُ» ضميرُ «مَنْ» و «آثِمٌ» خبرُ «إِنَّ» ، و «قَلْبُهُ» فاعلٌ ب «آثِمٌ» ، نحو قولك: «زَيْدٌ إِنَّهُ قَائِمٌ أَبُوهُ» ، وعَمَلُ اسم الفاعل هنا واضحٌ؛ لوجودِ شروطِ الإِعمال، ولا يجيءُ هذا الوجهُ على القولِ بأنَّ الضميرَ ضميرُ الشأنِ؛ لأنَّ ضميرَ الشأن لا يُفَسَّر إلا بجملةٍ، واسمُ الفاعلِ مع فاعله عند البصريِّين مفردٌ، والكوفيُّون يُجيزون ذلك.

الثاني: أن يكون «آثِمٌ» خبراً مقدَّماً، و «قَلْبُهُ» مبتدأٌ مؤخراً، والجملةُ خبرَ «إِنَّ» ، ذكره الزمخشريُّ وأبو البقاء وغيرهما وهذا لا يجوزُ على أصول الكوفيِّين؛ لأنه لا يعودُ عندهم الضَّميرُ المرفوعُ على متأخِّرٍ لفظاً، و «آثِمٌ» قد تحمَّل ضميراً، لأنه وقع خبراً؛

<<  <  ج: ص:  >  >>