وقرأ ابن أبي عيلة - فيما نقل عنه الزمخشريُّ - «أَثَّمَ قَلْبَهُ» جعل «أَثَمَّ» فعلاً ماضياً مشدَّد العين، وفاعله مستترٌ فيه، و «قَلْبَهُ» مفعول به، أي: جعل قلبه آثِماً، أي: أَثِمَ هو؛ لأنه عَبَّر بالقلبِ عن ذاتِه كلِّها؛ لأنه أشرفُ عضوٍ فيها. وهو، وإِنْ كان بلفظِ الإِفراد، فالمرادُ به الجمعُ، ولذلك اعتبر معناه في قراءة أبي عبد الرحمن، فجمع في قوله:«وَلَا يَكْتُمُوا» .
وقد اشتملَتْ هذه الآياتُ على أنواع من البديع: منها: التجنيسُ المغايرُ في «تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ» ، ونظائره، والمماثلُ في قوله:{وَلَا تَكْتُمُواْ الشهادة وَمَن يَكْتُمْهَا} ، والطباقُ في «تَضِلَّ» و «تُذَكِّرَ» و «صَغِيراً وكَبِيراً» ، وقرأ السُّلمِيُّ أيضاً:«واللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ» بالغَيبَة؛ جرياً على قراءته بالغَيْبَة.
و «الآثم» : الفاجرُ رُوِيَ أَنَّ عمر كان يُعلِّمُ أَعرابيّاً {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم}[الدخان: ٤٣، ٤٤] فكان يقول: «طَعَامُ اليَتِيم» فقال له عُمرُ: طعام الفاجِرِ، وهذا يدلُّ على أَنَّ الإِثم يكون بمعنى الفجورِ. قيل: ما وعد اللهُ على شيءٍ كإيعاده على كتمان الشهادة؛ قال:{فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} وأراد به مسخ القلب؛ نعوذُ بالله من ذلك.
وقوله:{والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} تحذيرٌ من الإِقدامِ على الكِتمانِ؛ لأنَّ المكلَّفَ إذا علم أَنَّ الله تعالى لا يعزُبُ عن عِلْمِه ضميرُ قلبه، كان خائِفاً حذراً من مُخالفة أَمرِ اللهِ تعالى.