رُوِي عن ابن عبَّاسٍ؛ أنه قال: لمَّا نزلت هذه الآية، «جاء أبو بكرٍ وعمرُ، وعبدُ الرَّحمن بن عوف، ومعاذ، وناسٌ إلى النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم بركُوا على الرَّكبِ، فقالوا: يا رسُول اللهِ، كُلِّفنا من الأَعمالِ ما نُطيقُ؛ الصلاةُ، والصِّيامُ، والجِهَادُ، والصَّدَقَةُ، وقد أُنزِلت عليك هذه الآيةُ ولا نُطِيقُهَا، إنَّ أَحدنا ليُحدِّثُ نفسهُ بما لا يحبّ أن يثبتَ في قلبهِ وإنَّ له الدُّنيا، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:» أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْل الكِتابينِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بل قولوا:«سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ»
فَلمَّا قرأها القومُ، ذلَّتْ بهم أَنفُسُهُم، فأنزل الله في إثرها {آمَنَ الرسول بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والمؤمنون كُلٌّ آمَنَ بالله وملاائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المصير}[البقرة: ٢٨٥] فمكَثُوا في ذلك حولاً، واشتدَّ ذلك عليهم، فأَنزل اللهُ - تعالى - {لَا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦] فَنَسَخَتْ هذه الآية، فقال النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُم مَا لَمْ يَعْمَلُوا أَوْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ» .
قال ابن مسعود، وابن عبَّاسٍ، وابن عمر: هذه الآية منسوخةٌ، وإليه ذهب محمَّد بن كعبٍ القرظيّ؛ ويدُلُّ عليه ما رَوَى أَبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: قال: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» .