للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حكى عنهم هَهُنَا كيفيَّة تضرُّعِهِمِ في قولهم: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ واعف عَنَّا واغفر لَنَا وارحمنآ ... } [البقرة: ٢٨٦] إلى آخر السُّورَة، وهو المراد بقوله أَوَّل السورة: {أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون} [البقرة: ٥] .

فصلٌ في بيان سبب النُّزُول

قال القرطبيُّ: سبب نزول هذه الآية: الآيةُ الَّتِي قبلها، وهو قوله: {وَإِن تُبْدُواْ مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله} [البقرة: ٢٨٤] فإنه لمَّا نزل هذا على النَّبيِّ صلى الله عليه سولم اشتدَّ ذلك على أصحابِ رسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَتَوا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم بَرَكُوا على الرُّكب، فقالوا: أي رسولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذْ كُلِّفْنَا من الأَعمالِ ما نُطِيق؛ الصَّلاة والصِّيام والجِهَادُ، وقد أُنزِل عليكَ هذه الآيُ ولا نُطِيقُهَا، فقال رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الكِتَابَيْنِ من قَبْلِكُمْ: سَمِعنَا وعَصَيْنَا، بل قولُوا: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ» فلما قَرَأَها القومُ وذَلَّت بها أنْفُسُهْم، أَنزَل اللهُ في إِثرها {آمَنَ الرسول بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ} إلى قوله: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المصير} فلما فعلُوا ذلك، نسخَها اللهُ، فأنزلَ اللهُ

{لَا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت} [البقرة: ٢٨٦] قال: نعم، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا} قال: نعم {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم {واعف عَنَّا واغفر لَنَا وارحمنآ أَنتَ مَوْلَانَا فانصرنا عَلَى القوم الكافرين} قال: نعم أخرجهُ مسلمٌ، عن أبي هُرَيرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -

فصلٌ

معنى قوله: {آمَنَ الرسول بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ} : أنه عَرَفَ بالدَّلائل القاهرة؛ أن هذا القُرْآن وجُملة ما فيه من الشَّرائع والأَحكامِ مُنزَّلٌ من عِندِ الله - تعالى -، وليس من إلقاء الشَّيَاطين ولا السِّحر والكهانة، بل بما ظَهر من المُعجزات على يد جبريل - عليه الصَّلاة والسَّلام -.

وقوله: {والمؤمنون} فيه احتمالان:

أحدهما: أَنَّهُ يَتِمُّ الكلامُ عند قوله - تعالى - {والمؤمنون} ، فيكُونُ المعنى: آمَن الرَّسُولُ والمُؤْمِنُونَ بما أُنزِل إِلَيهم من ربِّهم، ثم ابتدأ [بعد] ذلك بقوله: {كُلٌّ آمَنَ بالله} والمعنى: كُلُّ أحَدٍ من المذكُورين وهم الرَّسُول والمُؤْمِنُون آمَنَ بالله.

والاحتمال الثَّاني: أن يتمَّ الكلامُ عند قوله: {بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ} ثم يَبْتَدِىءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>