للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: هل يجوزُ أَنْ يكون «المُؤْمِنُونَ» مبتدأ، و «كُلٌّ» تأكيد له، و «آمَنَ» [خبر هذا] المبتدأ؟ فالجوابُ: أنَّ ذلك لا يجوزُ؛ لأنهم نَصُّوا على أَنَّ «كُلاًّ» وأخواتها لا تقعُ تأكيداً للمعارف، إلا مضافةٌ لفظاً لضميرِ الأولِ، ولذلك ردُّوا قولَ مَنْ قال: إِنَّ كُلاًّ في قراءة مَنْ قَرَأَ: {إِنَّا كُلاًّ فِيهَآ} [غافر: ٤٨] تأكيدٌ لاسم «إِنَّ» وقرأ الأَخَوان هنا «وَكِتَابِهِ» بالإِفراد، والباقون بالجمعِ، وفي سورة التحريم [آية١٢] قرأ أبو عمرو وحفصٌ عن عاصم بالجَمْع، والباقون بالإفراد، فتلخّصَ من ذلك أنَّ الأخوين يَقْرَآن بالإِفراد في الموضعين، [وأنَّ أبا عمرو وحفصاً يقْرآن بالجمعِ في الموضعَيْن] ، وأنَّ نافعاً وابن كثير وابن عامر وأبا بكر عن عاصمٍ قَرَءُوا بالجمع هنا، وبالإِفرادِ في التحريم.

فأمَّا الإِفرادُ، فإنه يُراد به الجنسُ، لا كتابٌ واحدٌ بعينه، وعن ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «الكتَابُ أكثرُ من الكُتُب» قال الزمخشريُّ: فإنْ قلت: كيف يكون الواحدُ أكثرَ من الجمعِ؟ قلت: لأنه إذا أُريد بالواحدِ الجنسُ، والجنسيةُ قائمةٌ في وحداتِ الجنس كُلِّها، لَمْ يَخْرُج منه شيءٌ، وأمَّا الجمعُ، فلا يَدْخُل تحته إلَاّ ما فيه الجنسية من الجُمُوع. قال أبو حيان: «وليس كما ذكر؛ لأنَّ الجمعَ متى أُضيفَ، أو دَخَلَتْه الألفُ واللامُ [الجنسية] ، صارَ عامّاً، ودلالةُ العامِّ دلالةٌ على كلِّ فردٍ فردٍ، فلو قال:» أَعْتَقْتُ عَبِيدِي «، لشمل ذلك كلَّ عَبْدٍ له، ودلالةُ الجمعِ أظهرُ في العموم من الواحدِ، إلَاّ بقرينةٍ لفظيَّةٍ، كأَنْ يُسْتَثْنَى منه أو يوصفَ بالجمع؛ نحو: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلَاّ الذين آمَنُواْ}

[العصر: ٢ - ٣] «أَهْلَكَ النَّاسَ الدِّينَارُ الصُّفْرُ والدِّرْهَمُ البِيضُ» أو قرينةٍ معنويةٍ؛ نحو: «نِيَّة المُؤْمِنِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ» وأقصى حالِهِ: أن يكونَ مثل الجمعِ العامِّ، إذا أريد به العموم «. قال شهاب الدِّين: للناس خلافٌ في الجمع المحلَّى بأَلْ أو الضمافِ: هل عمومُه بالنسبةِ إلى مراتبِ الجموعِ، أم إلى أعمَّ من ذلك، وتحقيقُه في علم الأُصُول. وقال الفارسيُّ: هذا الإِفرادُ ليس كإفراد المصادر، وإن أريدَ بها الكثيرُ؛ كقوله تعالى: {وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان: ١٤] ولكنه كما تُفْرَدُ الأسماءُ التي يُرَاد بها الكثرةُ، نحو: كَثُرَ الدِّينَارُ والدِّرهمُ، ومجيئها بالألف واللام أكثرُ من مجيئها مضافةً، ومن الإِضافةِ: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: ٣٤] وفي الحديث:» مَنَعَتِ العِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا «يُراد به الكثيرُ، كما يُراد بما فيه لامُ التعريف. قال أبو حيان:» انتهى

<<  <  ج: ص:  >  >>