المرتبة الرابعة: الرسُلُ؛ وهم الَّذِين يأخذُون الوَحْيَ من الملائكة، فيكونون متأخِّرين عن الكتب؛ فلهذا جعلُوا في المرتبة الرابعة.
قوله:{لَا نُفَرِّقُ} هذه الجملة منصوبةٌ بقولٍ محذوف، تقديره:«يقولون: لا نُفَرِّقُ» ، ويجوز أن يكون التقدير:«يَقُولُ» يعني يجوز أن يراعى لفظ «كُلّ» تارةً، ومعناها أخرى في ذلك القول المقدَّر، فمن قدَّر «يَقُولُونَ» ، راعى معناها ومن قدَّر «يَقُولُ» ، راعى لفظها، وهذا القول المضمر في محلِّ نصبٍ على الحال، ويجوز أن يكون في محلِّ رفعٍ؛ لأنه خبر بعد خبر، قاله الحوفيُّ.
والعامَّة على «لَا نُفَرِّقُ» بنون الجمع.
وقرأ ابن جبير وابن يعمر وأبو زرعة ويعقوب - ورويت عن أبي عمرو أيضاً - «لا يُفَرِّقُ» بياء الغيبة؛ حملاً على لفظ «كُلّ» ، وروى هارون أنَّ في مصحف عبد الله «لا يُفَرِّقُونَ» بالجمع؛ حملاً على معنى «كُلّ» ؛ وعلى هاتين القراءتين، فلا حاجة إلى إضمار قولٍ، بل الجملة المنفية بنفسها: إمَّا في محلِّ نصب على الحال، وإمَّا في محلّ رفعٍ خبراً ثانياً؛ كما تقدَّم في ذلك القول المضمر.
قوله:{بَيْنَ أَحِدٍ} متعلِّقٌ بالتفريق، وأضيف «بَيْنَ» إلى أحد، وهو مفرد، وإن كان يقتضي إضافته إلى متعدد؛ نحو:«بَيْنَ الزَّيْدَيْنِ» أو «بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو» ، ولا يجوز «بَيْنَ زَيْدٍ» ، ويسكت - إمَّا لأنَّ «أَحَداً» في معنى العموم، وهو «أَحَد» الذي لا يستعمل إلا في الجحد، ويراد به العموم؛ فكأَنَّه قيل: لا نفرِّق بين الجميع من الرسل، قال الزمخشريُّ: كقوله: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[الحاقة: ٤٧] ، ولذلك دخل عليه «بَيْنَ» وقال الواحدي: و «بَيْنَ» تقتضي شيئين فصاعداً، وإنما جاز ذلك مع «أَحَدٍ» ، وهو واحدٌ في اللفظ؛ لأنَّّ «أَحَداً» يجوز أن يؤدِّي عن الجميعِ؛ قال الله تعالى:{فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[الحاقة: ٤٧] وفي الحديث: «مَا أُحِلَّت الغَنَائِمُ لأَحَدٍ سُودِ الرُّءُوسِ غَيْركُمْ» ، يعني: فوصفه بالجمع؛ لأنَّ المراد به جمعٌ، قال: وإنَّما جاز ذلك؛ لأنَّ «أَحَداً» ليس كرجل يجوز أن يثنَّى ويجمع، وقولك:«مَا يَفْعَلُ هَذَا أَحَدٌ» ، تريد ما يفعله الناس كلُّهم، فلما كان «أَحَد» يؤدَّى عن الجميع، جاز أن يستعمل معه لفظ «بَيْنَ» ، وإن كان لا يجوز أن تقول:«لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْهُمْ» .
قال شهاب الدين: وقد ردَّ بعضهم هذا التأويل؛ فقال: وقِيلَ إنَّ «أَحَداً» بمعنى «جميع» ، والتقدير:«بَيْنَ جَمِيعِ رُسُلِهِ» ويبعد عندي هذا التقدير، لأنه لا ينافي كونهم مفرِّقين بين بعض الرسل، والمقصود بالنفي هو هذا؛ لأن اليهود والنصارى ما كانوا