وقرأ ابن أبي عبلة:«إِلا وَسِعَهَا» جعله فعلاً ماضياً، وخرَّجوا هذه القراءة على أنَّ الفعل فيها صلةٌ لموصول محذوفٍ تقديره:«إِلَاّ ما وَسِعَهَا» وهذا الموصول هو المفعول الثاني، كما كان «وُسْعَهَا» كذلك في قراءة العامَّة، وهذا لا يجوز عند البصريِّين، بل عند الكوفيِّين، على أنَّ إضمار مثل هذا الموصول ضعيفٌ جدّاً؛ إذ لا دلالة عليه؛ وهذا بخلاف قول الآخر حيث قال:[الخفيف]
وقد تقدَّم تحقيق هذا، وهل لهذه الجملة محلٌّ من الإعراب، أم لا؟ الظاهر الثاني؛ لأنها سيقت للإخبار بذلك، وقيل: بل محلُّها نصبٌ؛ عطفاً على «سَمِعْنَا» و «أَطَعْنَا» ، أي: وقالوا أيضاً: لا يكلِّف الله نفساً، وقد خرِّجت هذه القراءة على وجه آخر؛ وهو أن تجعل المفعول الثاني محذوفاً لفهم المعنى، وتجعل هذه الجملة الفعليَّة في محلِّ نصبٍ لهذا المفعول، والتقدير: لا يكلِّف الله نفساً شيئاً إلا وسعها. قال ابن عطية: وفي قراءة ابن أبي عبلة تجوُّزٌ؛ لأنه مقلوبٌ، وكان يجوز وجه اللفظ: إلا وسعته؛ كما قال:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض}[البقرة: ٢٥٥]{وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}[طه: ٩٨] ، ولكن يجيء هذا من باب «أَدْخَلْتُ القَلَنْسُوَةَ في رَأْسِي» .
فصل في كيفيَّة النَّظم
إن قلنا إِنَّه من كلام المؤمنين، فإنَّهم لمَّا قالوا:«سَمِعْنَا وأَطَعْنَا» فكأنَّهم قالوا: كيف نسمع ولا نطيع، وهو لا يكلِّفنا إلَاّ ما في وسعنا وطاقتنا بحكم الرَّحمة الإلهيَّة.
وإن قلنا: إنه من كلام الله - تبارك وتعالى -، فإنَّهم لمَّا قالوا:«سَمِعْنَا وَأَطْعْنَا» ثم قالوا بعده: «غُفْرَانَكَ رَبَّنَا» ، طلبوا المغفرة فيما يصدر عنهم من وجوه التَّقصير على سبيل الغفلة [والسَّهو؛ لأنَّهم لمَّا سمعوا وأطاعوا، لم يتعمّدوا التَّقصير، فطلبوا المغفرة لما يقع منهم على سبيل الغفلة] ، فلا جرم خفَّف الله عنهم، وقال:{لَا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} والتَّكليف: هو إلزام ما فيه كلفة ومشقَّة، يقال: كلَّفته فتكلَّف.
فصل في بيان مسألة تكليف ما لا يطاق
استدلَّ المعتزلة بهذه الآية الكريمة ونظائرها؛ كقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ