وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في المملوك:«لَهُ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، ولَا يُكَلَّفُ مِنَ العَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» أي: ما يشقُّ عليه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في المريض «يصلِّي وهو جالسٌ، فإن لم يَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ» ، فقوله:«فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ» ليس المراد به: عدم القوَّة على الجلوس، بل كلُّ الفقهاء يقولون: المراد منه: إذا كان يلحقه في الجلوس مشقَّةٌ شديدةٌ؛ وقال تعالى:{مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع}[هود: ٢٠] ، أي: كان يشقُّ عليهم ذلك.
الثاني: أنه تعالى لم يقل: «لَا تُكَلِّفْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ» بل قال: {لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} والتَّحميل: هو أن يضع عليه ما لا طاقة له بتحمُّله، فيكون المراد منه العذاب، والمعنى: لا تحملنا عذابك الذي لا نطيق احتماله، فلو حملنا الآية على ذلك، كان قوله:«لَا تُحَمِّلْنَا» حقيقةً فيه، ولو حملناه على التكليف، كان قوله:«لَا تُحَمِّلْنَا» مجازاً فيه، فكان الأوَّل أولى.
الثالث: هب أنَّهم سألوا الله تعالى ألَاّ يكلِّفهم ما لا قدرة لهم عليه، لكن ذلك لا يدلُّ على جواز أن يفعل خلافه؛ لأنَّه لو دلَّ على ذلك، لدلَّ قوله:{رَبِّ احكم بالحق}[الأنبياء: ١١٢] على جواز أن يحكم بالباطل، وكذلك قول إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}[الشعراء: ٨٧] على جواز خزي الأنبياء.