للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال مَكيّ: «ولا تتعلق الباء ب» نَزَّل «؛ لأنه قد تعدى إلى مفعولين - أحدهما بحرف فلا يتعدى إلى ثالث» .

وهذا - الذي ذكره مكيٌّ - غيرُ ظاهر؛ فإن الفعل يتعدى إلى متعلقاته بحروف مختلفة على حسب ما يكون، وقد تقدم أن معنى الباء السببية، فأيُّ مانع يمنع من ذلك؟

قوله: {مُصَدِّقًا} فيه أوجهٌ:

أحدها: أن ينتصبَ على الحال من «الْكِتَاب» . فإن قيل بأن قوله: «بِالْحَقِّ» حال، كانت هذه حالاً ثانيةً عند مَنْ يُجِيز تعدد الحال، وإن لم يُقَلْ بذلك كانت حالاً أولى.

الثاني: أن ينتصب على الحال على سبيل البدلية من محل «بِالْحَقِّ» ، وذلك عند مَنْ يمنع تعدد الحال في غير عَطْفٍ، ولا بدليَّةٍ.

الثالث: أن ينتصب على الحال من الضمير المستكن في «بِالْحَقِّ» - إذا جعلناه حالاً - لأنه حينئذٍ يتحمل ضميراً؛ لقيامه مقام الحال التي تتحمله، وعلى هذه الأقوال كلِّها فهي حال مؤكِّدة؛ لأن الانتقالَ فيها غير مُتَصَوَّر، وذلك نظير قول الشاعر: [البسيط]

١٣١٧ - أنَا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوفًا بِهَا نَسَبِي ... وَهَلْ بِدَارَةَ - يَا لَلنَّاسِ - مِنْ عَارِ

قوله: {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} مفعول ل «مصَدِّقاً» وزِيدَت اللامُ في المفعول: [تقويةٌ] للعامل؛ لأنه فرع له؛ إذْ هو اسمُ فاعل، كقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: ١٦] ، وإنما ادَّعَيْنَا ذلك؛ لأنَّ هذه المادةَ متعديةٌ بنفسها.

فصل في تفسير «الحي» و «القيوم»

الحيُّ: هو الفعَّال الدرَّاك، والقيُّومُ: هو القائمُ بذاته، والقائم بتدبير الخلق، وقرأ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - الحي القيَّام، والمراد ب «الكتاب» - هنا - هو القرآن.

قال الزمخشري: «وخص القرآن بالتنزيل، والتوراة والإنجيل بالإنزال؛ لأن التنزيل للتكثير والله تعالى نَزَّل القرآن مُنَجَّماً، فكان معنى التكثير حاصلاً فيه، وأنزل التوراةَ والإنجيل دفعَةً واحدةً، فلهذا خصَّهما بالإنزال» .

فإن قيل: يُشْكِل هذا بقوله: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} [الكهف: ١] ، وبقوله: {وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ} [الإسراء: ١٠٥] .

فالجواب: أن المرادَ به كُلُّ نَجْمٍ وَحْدَه.

[وسمي الكل باسم البعض مجازاً، أو نقول: «إن أنزل تشتمل على أمرين والتضعيف لا يشتمل إلاّ الإنزال مرة واحدةٌ»

<<  <  ج: ص:  >  >>