الكتب؛ لأنهم لما أتوا بهذه الكتب، وادعوا أنها نزلت عليهم من عند الله تعالى افتقروا إلى إثبات هذه الدعوى إلى دليل حتى يحصل الفرق بين دعواهم ودعوى الكاذبين، فلما أظهر الله تلك المعجزات على وفق دعواهم حصلت المفارقة بين دعوى الصادق، ودعوى الكاذب، فالمعجزة هي الفرقان، فلما ذكر الله تعالى أنه نزل الكتاب بالحق، وأنزل التوراة والإنجيل من قبل ذلك بين أنه تعالى أنزل معها ما هو الفرقان الحق، وهو المعجز القاهر الذي يدل على صحتها، ويفيد الفرق بينها وبين سائر الكتب المختلفة، فهذا ما عندي «.
ويمكن أن يجاب بأنه إذا قلنا: المراد به جميع الكتب السماوية، فيزول الإشكال الذي ذكره، ويكون هذا من باب ذكر العام بعد الخاص كقوله تعالى:{فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَآئِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}[عبس: ٢٧ - ٣١] .
قوله:{إِنَّ الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله لَهُمْ عَذَابٌ} يحتمل أن يرتفعَ» عَذَابٌ «بالفاعلية بالجار قبله، لوقوعه خبراً عن» إنَّ «ويحتمل أن يرتفعَ على الابتداء، والجملة خبر» إنَّ «والأول أولى؛ لأنه من قبيل الإخبار بما يقرب من المفردات و» انتقام «افتعال، من النقمة وهي السطوة والتسلط، ولذلك عبر بعضهم عنها بالمعاقبة، يقال: نَقَمَ - بالفتح - وهو الأفصح، ونَقِم - بالكسر - وقد قُرِئ بهما ويقال: انتقم من انتم، أي: عاقبه وقال الليث: ويقال لم أرض عنه، حتى نقمت، وانتقمت إذا كافأه عقوبة بما صنع. وسيأتي له مزيد بيان في المائدة إن شاء الله تعالى.
فصل
اعلم أنه تعالى لما قرر جميع ما يتعلق بمعرفة الإله أتبع ذلك بالوعيد؛ زَجْراً للمعرضين عن هذه الدلائل الباهرةِ، فقال:{إِنَّ الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} فخصَّ بعضُ المفسّرين ذلك بالنصارى؛ قَصْراً للفظ العام على سبب نزوله.
وقال المحقِّقون: الاعتبار بعموم اللفظ، فهو يتناول كل من أعرض عن دلائل الله {والله عَزِيزٌ} ، أي: غالب لا يُغْلَب، وهذا إشارة إلى القدرة التامة على العقاب، و {ذُو انتقام} إشارة إلى كونه فاعلاً للعقاب، فالأول صفة الذات، والثاني صفة الفعل.