ينفعه جده وحظه من الدنيا بدلاً، أي: بدل طاعتك وما عندك، وفي معناه قوله تعالى:{وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى}[سبأ: ٣٧] ، وهذا الذي ذكره من كونها بمعنى بدل جمهور النحاة يَأبَاه؛ فإن عامة ما أوْرَدَهُ يتأوَّله الجمهورُ.
الرابع: أنها تبعيضية، إلا أن هذا الوجه لما أجازه أبو حيّان مبنياً على إعراب «شَيْئاً» مفعولاً به، بمعنى: لا تدفع، ولا تمنع، قال: فعلى هذا يجوز أن يكون «من» في موضع الحال من «شَيْئاً» ؛ لأنه لو تأخر لكان في موضع النعتِ له، فلما تقدم انتصب على الحال، وتكون «من» إذ ذاك - للتبعيض.
قال شهاب الدينِ:«وهذا ينبغي أن لا يجوز ألبتة؛ لأن» منَ «التبعيضية تؤوَّلُ بلفظ بعض مضافةً لما جرَّتْه» مِنْ «ألا ترى أنك إذا قلتَ: رأيت رجلاً من بني تميم، معناه: بعض بني تميم، وأخذت من الدراهم: أي: بعضَ الدراهم، وهنا لا يُتَصَوَّرُ ذلك أصْلاً، وإنما يصح جعله صفة لِ» شَيْئاً «إذا جعلنا» مِنْ «لابتداء الغاية، كقولك: عندي درهم من زيد، أي: كائن أو مستقر من زيد، ويمتنع فيها التبعيض، والحال كالصفة في المعنى، فامتنع أن تكون من للتبعيض مع جعله» مِنَ اللهِ «حالاً من» شَيْئاً «، وأبو حيّان تبع أبا البقاءِ في ذلك، إلا أن أبا البقاء حين قال ذلك - قَدَّر مضافاً وضَّح به قوله، والتقدير: شيئاً من عذاب الله، فكان ينبغي أن يتبعه - في هذا الوجهِ - مُصَرِّحاً بما يدفع هذا الذي ذكرته» .
و «شَيْئاً» إما منصوب على المفعول به وقد تقدم تأويله وإما على المصدرية، أي: شَيْئاً من الإغناء.
قوله:{وأولئك هُمْ وَقُودُ النار} هذه الجملة تحتمل وجهَيْن: