أن البصر لا يخالف المُبْصَر؛ لجواز أن يحصل خَلَلٌ في البصر، وسوء في النظر، فيتخيل الباصر الشيئَ شيئَيْن فأكثر، وبالعكس.
احتج من قال: إن الرائي هو المشركون بوجوه: الأول: أن تعلُّق الفعل بالفاعل أشدُّ من تعلُّقهِ بالمعفول، فجَعْلُ أقرب المذكورين السابقين فاعلاً وأبعدهما مفعولاً أوْلَى من العكس، وأقرب المذكورين هو قوله:{كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ} .
الثاني: مُقَدَّمُ الآية - وهو قوله {قَدْ كَانَ لِكُمْ آيَةٌ} خطاب مع الكفار، فقراءة نافع - بالتاء - تكون خطاباً مع أولئك الكفار، والمعنى: تَرَوْنَ يا مشركي قريش المسلمين مثليهم، فهذه القراءة لا تساعد غلا على كون الرائي مشركاً.
الثالث: أن الله تعالى جعل هذه الحالة آية للكفار حتى تكونَ حُجَّةً عليهم، ولو كانت هذه الحالةُ حاصلة للمؤمن لم يصح جَعْلُها حُجَّةٌ على الكافر.
واحتج من قال: الراءون هم المسلمون بأن الرائين لو كانوا هم المشركين لزم رؤيةُ ما ليس بموجود وهو محال - ولو كان الراءون هم المؤمنين لزم أن لا يرى ما هو موجود، وهذا ليس بمحال فكان أولى، قال ابن مسعودٍ: نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علنيا رجلاً واحداً، ثم قللهم الله - أيضاً - في أعينهم حتى رَأوْا عدداً يسيراً أقل من أنفسهم، قال ابن مسعود:«حَتَّى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعينَ؟ قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلاً منهم، فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفاً» .
فصل
وجه النظم أنه - تعالى - لما أنزل الآية المتقدمة في اليهود، وهي قوله:{سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} ، فدعاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى الإسلام، أظهروا التمرد، وقالوا: لسنا أمثال قريشٍ في الضعفِ، وقلة المعرفة بالقتال، بل معنا من الشوكة والمعرفة بالقتال ما نغلب به كل مَنْ ينازعنا، فقال تعالى: إنكم - وإن كنتم [أغنياء] ، أقوياء، أرباب قدرة وعدة فإنكم - ستغلبون، ثم ذكر - تعالى - ما يجري مجرى الدلالة على صحة ذلك، فقال:{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقتا} يعني واقعة بدر؛ فإن الكثرة والعُدَّة كانت للكفار، والقلة وعدم السلاح من جانب المسلمين، ثم إن الله تعالى قهر الكفارَ، ونصر المسلمين، وهذا يدل على أن النصر بتأييد الله ونصرِه.