وقال الحسنُ: مدوا الصلاة إلى السَّحَر، ثم استغفروا.
وقال نافع: كان ابن عمر يُحْيِي الليل، ثم يقول: يا نافِعُ، أسْحَرْنَا؟ فيقول: لا، فيعاوِدُ الصلاةَ، فإذا قلتُ: نَعَمْ، قعد يستغفر اللهَ، ويدعو حتى يُصْبحَ.
وعن أبي هريرةَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:«يَنْزِلُ اللهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةِ - حِينَ يبقى ثُلُثُ اللَّيْلِ - فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أنا الْملِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَن ذَا الَّذِي يَسْالُنِي فَأُعْطِيهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأغْفِرَ لَهُ؟» رواه مسلم.
قال القرطبيُّ: وقد اختلف في تأويله، وأوْلى ما قيل فيه ما جاء في كتاب النسائي - مفسَّراً - عن أبي هريرة وأبي سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قالا: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إن الله - عَزَّ وَجَلَّ - يُمْهلُ حَتَّى يَمْضِيَ شَطْرُ اللَّيْلِ الأوَّلُ، ثُمَّ يَأمرُ مُنَادِياً، يَقُولُ: هَلْ مِن دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟» ، صححه أبو محمد عبدُ الحق، وهو يرفع الإشكال، ويوضِّح كلَّ احتمال، وأن الأول من باب حذف المضاف، أي: ينزل مَلَكُ رَبِّنَا، فيقول. وقد رُوِيَ «يُنْزَلُ» - بضمِّ الياءِ - وهو يُبَيِّن ما ذكرنا.
وحكي عن الحسن أن لُقْمانَ قال لابنه:«لَا تَكُونَنَّ أعْجَزَ مِنْ هَذَا الدِّيكِ؛ يُصَوِّتُ بالأسْحَارِ وَأنْتَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِكَ» .
واعلم أن وقت السَّحَر أطيبُ أوقاتِ النومِ، فإذا أعرض العبد عن تلك اللذة، وأقبل على العبوديةِ، كانت الطاعة أكملَ، وأشقَّ، فيكثر ثوابُها، وأيضاً فإن النوم هو الموت الأصغر، وعند السحر كأنّ الأموات تصير أحياءً، فيكون وقتاً للوجود العام.
و «الأسْحَار» جمع سَحَرٍ - بفتح العين وسكونها - واختلف أهلُ اللغة في السَّحَرِ، ايُّ وقت هو؟