قال السُّديُّ والكلبيُّ: يعني جميع المؤمنين الذين عرفوا وحدانية الله - تعالى - بالدلائل القاطعة؛ لأن الشهادة إنما تكون مقبولة، إذا كان الإخبار بها مقروناً بالعلم، ولذلك قال - عليه السلام -: «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» .
فإن قيل: إذا كانت شهادةُ الله عبارةً عن إقامة الدلائل، وشهادة الملائكة، وأولي العلم عبارة عن الإقرار، فكيف جمعهما في اللفظ؟
فالجواب: أن هذا ليس ببعيد، ونظيره قوله - تعالى:{إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي}[الأحزاب: ٥٦] ، ومعلوم أن الصلاة من الله تعالى الرحمة - كما ورد - ومن الملائكة الدعاء، ومن المؤمنين الاستغفار، وقد جمعهما في اللفظ.
فصل
دلّت هذه الآيةُ على فَضْل العلم وشرف العلماء؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنه الله باسمه واسم ملائكته، كما قرن الله اسم العلماء، وقال تعالى - لنبيه -: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}[طه: ١١٤] ، فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله - تعالى - نبيَّه المزيد منه، كما أمره أن يستزيد من العلم.
وقال عليه السلام:«الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ» ، وقال:«العُلمَاءُ أمناء اللهِ عَلَى خَلْقِهِ»[وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحل لهم في الدين خطير] .
قوله تعالى:{قَآئِمَاً بالقسط} في نَصْبه أربعة أوجه:
أحدها: أنه منصوب على الحال، واختلفوا في ذلك؛ فبعضهم جعله حالاً من اسم «اللهُ» ، فالعامل فيها «شَهِدَ» .
قال الزمخشري: وانتصابه على أنه حال مؤكِّدة منه، كقوله تعالى:{وَهُوَ الحق مُصَدِّقا}[البقرة: ٩١] .
قال أبو حيّان: وليس من باب الحال المؤكدة؛ لأنه ليس من باب {وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً}[مريم: ١٥] ولا من باب: أنا عبد الله شجاعاً فليس «قَائِماً بِالْقِسْطِ» بمعنى «شَهِدَ» وليس مؤكداً مضمونَ الجملة السابقة في نحو: أنا عبد الله شجاعاً، وهو زيد شجاعاً، لكنْ في هذا التخريج قلقٌ في التركيب؛ يصير كقولك: أكل زيدٌ طعاماً وعائشةُ وفاطمةُ جائعاً، ففصل بين المعطوف عليه، والمعطوف بالمفعول، وبين الحال وصاحبه بالمفعول، والمعطوف، لكن يمشيه كونها كلُّها معمولةٌ لعاملٍ واحدٍ.
قال شهاب الدينِ: مؤاخذته له في قوله «مؤكِّدة» غير ظاهرةٍ، وذلك أن الحالَ على قسمين: