للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أجل ذلك إلى إضمار فعل يوافق هذا المنطوقَ لفظاً، ويخالفه معنى، وهذا نظير قوله تعالى: {إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} [الأحزاب: ٥٦] كما قدمناه.

قال الزمخشريُّ: «فإن قلت: هل دخل قيامُه بالقسط في حكم شهادة الله والملائكة، وأولي العلم، كما دخلت الوحدانية؟

قلتُ: نعم، إذا جعلته حالاً من» هُوَ «أوْنَصْباً على المدح منه، أو صفة للمنفي، كأنه قيل: شهد الله والملائكة، وأولو العلم أنه لا إله إلا هو، وأنه قائم بالقسط» .

فصل

معنى «قَائِماً بِالْقِسْطِ» أي: قائماً بتدبير الخلْقِ، كما يقال: فلان قائم بأمر فلان، أي مدبِّر له، رزَّاق، مجازٍ بالأعمال، والمراد بالقِسْط: العدل.

قال ابن الخطيب: وهذا العدل منه ما هو متصل بباب الدنيا، ومنه ما هو متصل بباب الدين أما المتصل بالدنيا فانظر - أوَّلاً - في كيفية خَلْقِه أعضاءَ الإنسان؛ حتى تعرفَ عدلَ الله - تعالى - فيها، ثم انظر إلى اختلاف أحوال الخلق في الحُسْن والقُبْح، والغِنَى والفقر، والصحةِ والسقم، وطول العمر وقصره، واللذة والآلام، واقطع بأن كل ذلك عدل من الله، وحكمة وصواب، ثم انظر في كيفية خلق العناصر، وأجرام الأفلاك، وتقدير كل واحد منها بقدر معين، وخاصيَّةٍ معينة، واقطع بأن كل ذلك حكمة وصواب.

وأما ما يتصل بأمر الدين فانظر إلى اختلاف الخلق في العلم والجهل، والفطانة والبلادة، والهداية والغواية، واقطع بأن كل ذلك عدل وقسط.

قوله تعالى: {لَا إله إِلَاّ هُوَ} في هذه الجملة وجهان:

الأول: أنها مكرَّرة للتوكيد، قال الزمخشريُّ: «فإن قلت: لِمَ كرَّر قولَه: {لَا إله إِلَاّ هُوَ} ؟ قلت: ذكره - أولاً - للدلالة على اختصاصه بالوحدانية، وأنه لا إله إلا تلك الذات المتميزة، ثم ذكره - ثانياً - بعدما قَرَن بإثبات الوحدانية إثبات العدل؛ للدلالة على اختصاصه بالأمرين، كأنه قال: لا إله إلا هذا الموصوف بالصفتين، ولذلك قرن به قوله تعالى: {العزيز الحكيم} ؛ لتضمنها معنى الوحدانيةِ والعدلِ» .

وقال بعضهم: ليس بتكرير؛ لأن الأول شهادة الله - تعالى - وحده. والثاني: شهادة الملائكة وأولي العلم، وهذا عند من يرفع «الْمَلَائِكَةُ» بفعل آخر مضمر - كما ذكرنا - من أنه لا يرى إعمال المشترك، وأن الشهادتين متغايرتان، وهو مذهب مرجوح.

وقال الراغبُ: «إنما كرَّر {لَا إله إِلَاّ هُوَ} ؛ لأن صفات التنزيه أشرف من صفات التمجيد؛ لأن أكثرها مشارك - في ألفاظها - العبيد، فيصح وصفُهم بها، ولذلك وردت ألفاظ في حقه أكثر وأبلغ» .

وقال بعضهم: «فائدة هذا التكرار الإعلام بأن المسلم يجب أن يكون - أبداً - في

<<  <  ج: ص:  >  >>