سَوِاءٌ صَحِيْحاتُ العُيُونِ وَعُورُهَا
فصل في استعمالات «سواء»
وقد ورد لفظ «سواء» على وجوه:
الأول: بمعنى: الاستواء كهذه الآية.
الثاني: بمعنى: العَدْل، قال تعالى: {إلى كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: ٦٤] أي: عدل؛ ومثله: {سَوَآءَ السبيل} [الممتحنة: ١] أي: عدل الطريق.
الثالث: بمعنى: وسط، قال تعالى: {فِي سَوَآءِ الجحيم} [الصافات: ٥٥] أي: وسط الجحيم.
الرابع: بمعنى: البَيَان؛ قال تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ} [الأنفال: ٥٨] أي: على بيان.
الخامس: بمعنى: شرع، قال تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً} [النساء: ٨٩] يعني: شرعاً.
السادس: بمعنى: قصد، قال تعالى: {عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السبيل} [القصص: ٢٢] أي: قصد الطريق. و «الإنذار» : التخويف.
وقال بعضهم: هو الإبلاغ، ولا يكاد يكون إلَاّ في تخويف يسع زمانه الاحتراز، فإن لم يسع زمانه الاحتراز، فهو إشعار لا إنذار؛ قال: [الكامل]
١٥٤ - أَنْذَرْتُ عَمْراً وَهُوَ فِي مَهَلٍ ... قَبْلَ الصَّبَاحِ فقَدْ عَصَى عَمْرُو
ويتعدّى لاثنين، قال تعالى: {إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً} [النبأ: ٤٠] ، {أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} [فصلت: ١٣] فيكون الثاني في هذه الآية محذوفاً تقديره: أأنذرتهم العذاب أم لم تنذروهم إياه، والأحسن ألا يقدر له مفعول، كما تقدم في نظائره.
والهمزة في «أنذر» للتعدية، وقد تقدّم أن معنى الاستفهام هنا غير مراد؛ لأن التسوية هنا غير مرادة.
فقال ابن عَطيَّةَ: لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الخبر، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام؛ لأنَّ فيه التسوية التي هي الاسْتِفْهَام، ألا ترى أنك إذا قلت مخبراً: «سواء علي أَقُمْت أم قعدت» ، وإذا قلت مستفهماً: «أخرج زيد أم قام» ؟ فقد استوى الأمران عندك؟ هذان في الخبر، وهذان في الاستفهام، وعدم علم أحدهما بعينه، فلما عمتهما