للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

دُونِ الله} [البقرة: ٢٣] ، أي: من غير الله؛ لأن لفظة «دون» تختص بالمكان، تقول: زيد جلس دون عمرو، أي: في مكان أسفلَ منه، ثم إن مَن كان مُبَايِناً لغيره في المكان، فهو مغاير له، فجعل لفظ «دون» مستعملاً في معنى «غير» ، ثم قال: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ} يقع عليه اسم الولاية أي: فليس من ولاية الله في شيءٍ، يعني أنه مُنْسَلِخ من ولاية الله - تعالى - رأساً، وهذا أمر معقول؛ فإن موالاةَ الوليّ وموالاةَ عدوِّه ضدان.

قال الشاعر: [الطويل]

١٣٩٨ - تَوَدُّ عَدُوِّي ثُمَّ تَزْعُمُ أنَّنِي ... صَدِيقُكَ، لَيْسَ النَّوْكُ عَنْكَ بِعَازِبِ

وكتب الشَّعبيُّ إلى صديق له كتاباً، من جملته: وَمَنْ وَالَى عَدُوَّكَ فَقَدْ عَادَاكَ، وَمَنْ عَادَى عَدُوَّكَ فَقَدْ وَالَاكَ. وقد تقدم القول بأن المعنى فليس من دون اله في شيء.

ثم قال: {إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} أي: إلا أن تخافوا منهم مخافة، قال الحسنُ: أخذ مُسَيْلمةَ الكذابُ رجلين من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فقال لأحدهما: تشهد أن محمَّداً رسولُ الله؟ قال: نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم - وكان مسيلمة يزعم أنه رسول بني حَنِيفَةَ، ومحمد رسول قُرَيْش - فتركه، ودعا الآخر قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم نعم نعم، فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إني أصم، ثلاثاً - فقدمه، فقتله، فبلغ ذلك رسولَ الله، فقال: أما هذا المقتولُ فمضى على يقينه وصدقه، فهنيئاً له، وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه.

ونظير هذه الآية قوله تعالى: {إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} [النحل: ١٠٦] .

فصل

التَّقِيَّة لها أحكامٌ:

منها: أنها تجوز إذا كان الرجلُ في قومٍ كفارٍ، ويخاف منهم على نفسه، وماله، فيداريهم باللسان، بأن لا يُظْهِرَ العداوةَ باللسان، بل يجوز له أن يُظْهِر الكلامَ الموهمَ للمحبة والموالاة، بشرط أن يضمر خلافَه، وأن يُعَرِّضَ في كُلِّ ما يقول؛ فإن التقية تأثيرُها في الظاهر، لا في أحوال القلوبِ، ولو أفصح بالإيمان - حيث يجوز له التقية - كان أفضل؛ لقصةِ مسيلمةَ.

ومنها: أنها إنما تجوز فيما يتعلق بدفع الضرر عن نفسه، أما ما يرجع ضرره إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>