غير ما نحن فيه - في نحو قولك: حذرتك نفسَ زيد - أنه لا بد من شيءٍ تحذر منه - كالعقاب والسطوة؛ لأن الذواتِ لا يُتَصَوَّرُ الحذرُ منها نفسها، إنما يتصور من أفعالِها وما يَصْدُرُ عنها» .
قال أبو مسلم:«والمعنى {وَيُحَذِّرْكُمُ الله نَفْسَهُ} أن تعصوه، فتستحقوا عقابه» .
وَعَبَّر - هنا - بالنفس عن الذات؛ جَرْياً على عادةِ العرب، كما قال الأعشى:[الكامل]
قال بعضهم:«الهاء في» نَفْسَهُ «تعود على المصدر المفهوم من قوله:» لَا يَتَّخِذ «، أي: ويحذركم الله نفس الاتخاذ، والنفس: عبارة عن وجود الشيء وذاته» .
قال أبو العباس المُقْرِئُ: ورد لفظ «النفس» في القرآن على أربعة أضربٍ:
الأول: بمعنى العلم بالشيء، والشهادة، كقوله:{وَيُحَذِّرْكُمُ الله نَفْسَهُ} ، يعني علمه فيكم، وشهادته عليكم.
الثاني: بمعنى البدن، قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت}[آل عمران: ١٨٥] .
الثالث: بمعنى الهَوَى، كقوله:{إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء}[يوسف: ٥٣] يعني الهَوَى.
الرابع: بمعنى الروحِ، قال تعالى:{أخرجوا أَنْفُسَكُمُ}[الأنعام: ٩٣] ، أي: أرواحكم.
فصل
المعنى: يخوفكم الله عقوبته على موالاةِ الكُفَّار، وارتكاب المناهي ومخالفة المأمور.
والفائدة في ذكر النفس: أنه لو قال: ويحذركم الله، فهذا لا يُفِيد أن الذي أرِيدَ التحذيرُ منه هو عقاب يصدر من الله - تعالى - أو من غيره، فلما ذَكَر النفسَ زالت هذه الأشياءُ، ومعلوم أن العقابَ الصادرَ عنه، يكون أعظمَ أنواع العقابِ؛ لكونه قادراً على ما لا نهايةَ له، وأنه لا قُدْرَةَ لأحد على دَفْعِهِ وَمَنْعِه مما أراد، ثم قال:{وإلى الله المصير} ، أي: يحذركم اللهُ عقابه عند مصيركم إليه.