لدلالة حال الأول عليه -، وعلى هذا فيكون في الجملة من قوله:«تَوَدُّ» وجهان:
أحدهما: أن تكون في محل نصب على الحال من فاعل «عَمِلَتْ» ، أي: وما عملته حال كونها وَادَّةً، اي: متمنِّيًَ البعد من السوءِ.
والثاني: أن تكون مستأنفةً، أخبر الله تعالى عنها بذلك، وعلى هذا لا تكونُ الآية دليلاً على القطع بوعيد المذنبين.
ووضع الكرم، واللطف هذا؛ لأنه نَصَّ في جانب الثوابِ على كونه مُحْضَراً، وأما في جانب العقاب فلم ينصّ على الحضورِ، بل ذكر أنهم يودون الفرار منه، والبعد عنه، وذلك بَيِّنٌ على أن جانب الوعد أولى بالوقوع من جانب الوعيدِ.
ويجوز أن تكون «ما» مرفوعة بالابتداء، والخبر الجملة في قوله:«تَوَدُّ» ، أي: والذي عملته وعملها تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً.
والضمير في «بَيْنَهُ» فيه وجهان:
أحدهما - وهو الظاهر - عوده على «مَا عَمِلَتْ» ، وأعاده الزمخشري على «الْيَوْم» .
قال أبو حيّان:«وأبعد الزمخشري في عوده على» اليوم «؛ لأن أحد القسمين اللذين أحْضِروا له في ذلك اليوم هو الخير الذي عمله، ولا يطلب تباعد وقت إحضار الخير، إلا بتجوُّز إذا كان يشتمل على الخير والشر، فتود تباعده؛ لتسلم من الشرِّ، ودعه لا يحصل له الخير. والأولى عوده على {وَمَا عَمِلَتْ مِن سواء} ؛ لأنه أقربُ مذكورٍ؛ ولأن المعنى أن السوء تَتَمَنَّى في ذلك اليوم التباعُدَ منه» .
فإن قيل: هل يجوز أن تكون «ما» هذه شرطية؟
فالجواب: أن الزمخشريَّ، وابن عطية مَنَعَا من ذلك، وَجَعَلا علة المنع عدم جزم الفعل الواقع جواباً، وهو «تَوَدُّ» .
قال شهاب الدينِ: «وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنهم نَصُّوا على أنه إذا وقع فعلُ الشرطِ ماضياً، والجزاء مضارعاً جاز في ذلك المضارع وجهان - الجزم والرفع - وقد سُمِعَا من لسان العرب، ومنه بيت زُهَيْر:[البسيط]