ونقل الزمخشريُّ: قراءة يحبكم - بفتح الياء والإدغام - وهو ظاهر، لأنه متى سكن المثلين جَزْماً، أو وقْفاً جاز فيه لغتان: الفك والإدغام. وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله في المائدة.
وقرأ الجمهور «فَاتَّبِعُونِي» بتخفيف النون، وهي للوقاية.
وقرأ الزُّهري بتشديدها، وخُرِّجَتُ على أنه ألحق الفعل نون التأكيد، وأدغمها في نون الوقاية وكان ينبغي له أن يحذف واوَ الضمير؛ لالتقاء الساكنين، إلا أنه شبَّه ذلك بقوله:{أتحاجواني} وهو توجيه ضعيف ولكن هو يصلح لتخريج هذا الشذوذ.
وطعن الزجاجُ على من روى عن أبي عمرو إدغام الراء من «يغفر» في لام «لكم» .
وقال: هو خطأ وغلط على أبي عمرو. وقد تقدم تحقيقه، وأنه لا خطأ ولا غلط، بل هو لغة للعرب، نقلها الناس، وإن كان البصريون لا يُجِيزون ذلك كما يقول الزجاج.
فصل
اعلم أنه - تعالى - لما دعاهم إلى الإيمان به وبرسولِه على سبيل التهديدِ والوعيد دعاهم إلى ذلك بطريق آخرَ، وهو أن اليهود كانوا يقولون:{نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة: ١٨] فنزلت هذه الآية.
وروي الضحاك - عن ابن عباس - أن النبي وقف على قريش - وهم في المسجد الحرام يسجدون للأصنام وقد علقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها السيوف.
- فقال: يا معشر قريش، والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم، فقالت قريش: إنما نعبدها حباً لله: {لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى}[الزمر: ٣] ، فقال الله - تعالى -: «قل» يا محمد {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله} فتعبدون الأصنام لتقربكم إليه {فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله} فأنا رسولُه إليكم، وحجتُه عليكم أي اتبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله.
وقال القرطبي:«نزلت في وفد نجرانَ؛ إذْ زعموا أنّ ما ادَّعَوْه في عيسى حُبٌّ لله عَزَّ وَجَلَّ» .
وروي أن المسلمين قالوا: يا رسول الله، والله إنا لنحب رَبَّنا، فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني}[آل عمران: ٣١] .