قوله: {ذُرِّيَّةَ} في نَصْبها وجهان:
أحدهما: أنها منصوبة على البدل مما قبلها، وفي المُبْدَل منه - على هذا - ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها بدل من «آدَمَ» وما عُطِفَ عليه وهذا إنَّمَا يتأتَّى على قول من يُطْلِق «الذُّرِّيَّة» على الآباء وعلى الأبناء وإليه ذَهَب جماعةٌ.
قال الجرجاني: «الآية توجب أن تكون الآباء ذرية للأبناء والأبناء ذرية للآباء. وجاز ذلك؛ لأنه من ذرأ الخلق، فالأب ذُرِئ منه الولد، والولد ذرئ من الأب» .
قال الراغبُ: «الذرية يقال للواحد والجمع والأصل والنسل، لقوله تعالى: {حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} [يس: ٤٠] أي: آباءهم، ويقال للنساء: الذراريّ» . فعلى هذين القولين صَحَّ جَعْل «ذُرِّيَّةٌ» بدَلاً من «آدم» بما عطف عليه.
قال أبو البقاء: «ولا يجوز أن يكون بدلاً من» آدم «؛ لأنه ليس بذريته» ، وهذا ظاهر إن أراد آدَمَ وحده دون مَنْ عُطِف عليه، وإن أراد «آدم» ومَنْ ذُكِرَ معه فيكون المانع عنده عدم جواز إطلاق الذُّرِّيَّة على الآباء.
الثاني - من وجهي البدل - أنها بدل من «نُوح» ومَنْ عطف عليه، وإليه نحا أبو البقاء.
الثالث: أنها بدل من الآلين - أعني آل إبراهيمَ وآل عمرانَ - وإليه نحا الزمخشريُّ. يريد أن الأولين ذرية واحدة.
الوجه الثاني - من وجهي نصب «ذُرِّيَّةً» - النصب على الحال، تقديره: اصطفاهم حال كونهم بعضهم من بعض، فالعامل فيها اصطفى. وقد تقدم القول في اشتقاق هذه اللفظة.
قوله: {بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} هذه الجملة في موضع نصب، نعتاً لِ «ذُرِّيَّةً» .
فصل
قيل: {بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} أي: بعضها من وَلَد بعض.
وقال الحسن وقتادة: {بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} في الضلالة.
وقيل: في الاجتباء والاصطفاء والنبوة.
وقيل: بعضها من بعض في التناصُر.
وقيل: بعضها على دين بعض - أي: في التوحيد، والإخلاص، والطاعة كقوله