وأرادت به مُحَرَّراً من جهتي رق الدنيا وأشغالها.
قوله: {مَا فِي بَطْنِي} أتى ب» ما «التي لغير العاقلِ؛ لأن ما في بطنها مُبْهَمٌ أمرُه، والمُبْهَم أمره يجوز أن يُعَبَّر عنه ب» ما «.
ومثاله أن تقول إذا رأيتَ شبحاً من بعيد لا تدري إنسان هو أم غيره: ما هذا؟ ولو عرفته إنساناً وجهلت كونه ذكراً أو أنثى، قلت: ما هو أيضاً؟ والآية من هذا القبيل، هذا عند مَنْ يرى أن» ما «مخصوصة بغير العاقل، وأما من يرى وقوعها على العقلاء، فلا يتأوَّل شيئاً.
وقيل: إنه لما كان ما في البطن لا تمييز له ولا عقل عبر عنه ب «ما» التي لغير العُقَلاء.
المحرر: الذي يُجْعَل حُرًّا خالصاً، يقال: حرَّرت العبدَ - إذا أخلصته من الرق - وحرَّرْت الكتاب، أي: أصلحته وخلصته من وجوه الغلط، ورجل حُرّ: إذا كان خالصاً لنفسه، وليس لأحد عليه تعلُّق.
والطين الحر: الخالص من الرمل والحمأة والعيوب، فمعنى «مُحَرَّراً» ، أي: مُخْلصاً للعبادة، قاله الشعبيُّ.
وقيل: خادماً للبيعة.
وقيل: عتيقاً من أمر الدنيا لطاعة الله.
وقيل: خادماً لمن يدرس الكتاب، ويُعَلِّم في البيع.
والمعنى أنها نذرت أن تجعلَ الولدَ وَقْفاً على طاعة الله تعالى.
قيل: لم يكن لبني إسرائيل غنيمة ولا شيء، فكان تحريرهم جعلَهم أولادَهم على الصفة التي ذكرنا؛ وذلك؛ لأنه كان الأمر في دينهم أن الولد إذا صَارَ بحيث يمكن استخدامه كان يجب عليه خدمة الأبوين، فكانوا - بالنذر - يتركون ذلك النوعَ من الانتفاع، ويجعلونهم محرَّرين لخدمة المسجد وطاعة الله تعالى.
وقيل: كان المحرر يجعل في الكنيسة - يقوم بخدمتها - حتى يبلغَ الحلم، ثم يُخَيَّر بين المُقام والذهاب فإن أبي المقام، وأراد أن يذهب ذهب، وإن اختار المقام فليس له بعدَ ذلك خيار، ولم يكن نبيّ إلا ومن نسله محرَّر في بيت المقدس.
وهذا التحرير لم يكن جائزاً إلا في الغلمان، أما الجارية فكانت لا تصلح لذلك؛ لِمَا يُصِيبها من الحيض، والأذى، وحنَّةُ نذرت مطلقاً، إما لأنها بنت الأمر على التقدير، أو لأنها جعلت ذلك النذر وسيلةً إلى طلب الذكر ومعنى: نذرت لك أي لعبادتك، وتقدم الكلام على النذر، ثم قال تعالى - حاكياً عنها -: {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم} ، والتقبُّل: أخذ الشيء على الرضا، قال الواحديُّ: «وأصله من المقابلة؛