قوله:{والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} قرأ ابن عامر وأبو بكر «وَضَعْتُ» بتاء المتكلم - وهو من كلام أمِّ مَرْيَمَ خاطبت بذلك نفسَها؛ تَسَلِّياً لها واعتذاراً للهِ تعالى؛ حيث أتت بمولود لا يصلح لما نذرته من سدانة بيت المقدس.
قال الزمخشريُّ - وقد ذكر هذه القراءة -: «تعني ولعل الله - تعالى - فيه سِرًّا وحكمةً، ولعل هذه الأنثى خير من الذكر؛ تَسلِيَةً لنفسها» .
وقيل: قالت ذلك؛ خوفاً أن يُظَنَّ بها أنها تُخْبِر الله - تعالى - فأزالت الشبهةَ بقولها هذا وبينت أنها إنما قالتْ ذلك للاعتذارِ لا للإعلام - وفي قولها:{والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} التفات من الخطاب إلى الغيبة؛ إذ لو جَرَتْ على مقتضَى قولها:«رَبِّ» لقالت: وأنت أعلم.
وقرأ الباقون:«وَضَعَتْ» بتاء التأنيث الساكنةِ - على إسناد الفعل لضمير أم مريم، وهو من كلام الباري تعالى، وفيه تنبيه على عِظَم قَدْر هذا المولود، وأنَّ له شأناً لم تعرفيه، ولم تعرفي إلا كونه أنثى لا غير، دون ما يئول إليه من أمور عِظَامٍ، وآيات واضحةٍ.
قال الزمخشريُّ:«ولتكلُّمها بذلك على وجه التحسُّر والتحزُّن قال الله - تعالى -: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} تعظيماً لموضوعها، وتجهيلاً لها بقدر ما وُهِبَ لها منه، ومعناه: والله أعلم بالشيء الذي وضعت، وما علق به من عظائم الأمور، وأن يجعله وولده آيةً للعالمين، وهي جاهلة بذلك لا تعلم منه شيئاً فلذلك تحسرت» .
وقد رجح بعضهم القراءة الثانية على الأولى بقوله:{والله أَعْلَمُ} قال: «ولو كان من كلامِ مريم لكان التركيب: وأنت أعلم» . وقد تقدم جوابُه بأنه التفات.
وقرأ ابن عباس «والله أعلم بِمَا وَضَعَتِ» - بكسر التاء - خاطبها الله - تعالى - بذلك، بمعنى: أنك لا تعلمين قدرَ هذه المولودة، ولا قدر ما علم الله فيها من عظائمِ الأمورِ.
قوله:{وَلَيْسَ الذكر كالأنثى} ؛ هذه الجملة - يحتمل أن تكون معترضةً، وأن يكون لها محل، وذلك بحسب القراءات المذكورة في «وَضَعَتْ» - كما يأتي تفصيله - والألف واللام في «الذكَر» يحتمل أن تكون للعهدِ، والمعنى: ليس الذكر الذي طلبَتْ كالأنثى التي وَهِبَتْ لها.
قال الزمخشريُّ: «فإن قلتَ: فما معنى قولها: {وَلَيْسَ الذكر كالأنثى} ؟